معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1853

قصة وعبرة

حجم الخط

نبيل بوزيد

غلبته الحسرة، قائلاً: “منذ أن دخل الهاتف المحمول والإنترنت بيتنا، فقدت أسرتي طعم الحياة… أصبح منزلي كالمقبرة، يضم أجسادًا حيّة، بلا روح، بلا دفء، بلا حديث.” يتنهد ثم يتابع: “كنت في ما مضى، حين أفتح باب المنزل، أُستقبل وكأنني ملك. تضحك الزوجة، ويهرول الأبناء نحوي، أما اليوم… فكأنني شبح. ألقي السلام، فلا من يرد، أجلس بين جدران منزلي، لا أسمع سوى طقطقة الشاشات وهمسات العوالم الافتراضية.” يشير إلى هاتفه ويقول: “ذاك الدجّال الأعور… سحر الجميع، سرق عقولهم وسرقني منهم. نصحت زوجتي، فصاحت بي: ‘آه يا راجل، ديما تمعمع!’ أما أبنائي، فقد غابوا خلف الشاشات، لا يسألون، لا يحكون، لا يضحكون.” يتحسر على ايام مضت ويقول كنا في الدوار “كان الموقد يجمعنا، وكانت الجدة تسرد الحكايات على وهج الحطب، والدفء يعمّ المكان. آه، كم تبدّلت الأحوال.” ومع مرور الأيام، بدأ الشك يدبّ في قلبه، فقد شعر أن هناك من يشاركه في زوجته، ليس رجلًا واحدًا، بل عالمًا من الغرباء خلف الشاشة. “السرطان يبدأ بخلايا صغيرة… والشك كذلك. نخرني حتى قررت الرحيل.” فطلق زوجته، وأدار ظهره لحياة أصبحت تؤلمه أكثر مما تسعده. “لستُ عدوًا للتكنولوجيا”، قال، “لكنّي عدو لسوء استخدامها… لقد أزهقت روحي، وقضت على أسرتي

قصة هذا الصديق تختصر مأساةً يعيشها كثيرون في صمت، في زمنٍ تحوّل فيه الهاتف من وسيلة تواصل إلى وسيلة قطيعة، ومن نافذة على العالم إلى باب مغلق في وجه من نحب.

العبرة:

ليست التكنولوجيا هي العدو، بل غياب التوازن في استخدامها.

الهواتف والإنترنت أدوات عظيمة، لكن حين تغزو المساحات الحميمة — الأسرة، الوقت، الروح — وتسرقنا من أنفسنا ومن أحبّتنا، تصبح مثل النار: تنير إن أحسنا استخدامها، وتحرق إن أهملناها.

هذا الرجل لم يخسر زوجته فقط، بل خسر الدفء، والضحك، والحديث، والحكايات… خسر تلك التفاصيل الصغيرة التي تبني بيتًا لا مجرد جدران.

رسالة القصة:

أعيدوا التواصل البشري إلى بيوتكم.

خصصوا وقتًا بلا شاشات: للحديث، للضحك، حتى للصمت المشترك.

 

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *