محمود خليفة
ما زلت أسطر تلك السطور التي أثقلها الحزن، وسودها العجز… لطالما تمنيت أن تكون بيضاء مطمئنة، تبشر بخير أو تنذر بنهاية وجع. لكن كيف تُشرق الكلمات وهناك من يُفطر على الألم، وينام على الجوع؟ كيف يكتب القلم نورًا، وهناك من مات قبل أن يكتمل في فمه رغيف؟
سطورٌ تنزف وجعًا من وطنٍ يأكل فيه الجوعُ أحشاء الأطفال قبل أن تنال منهم قذائف الحرب. في فلسطين، لا تُكتب الحياة إلا بلغة الألم، ولا يُنطق الفقد إلا بصوت الصمت العالمي المريب.
في غزة…
هناك حيث تُمحى ملامح الطفولة تحت الركام، تنام العائلات على بطون خاوية، وتُوقَظ على دويّ الغارات. أطفالٌ بلا حليب، وأمهات بلا طعام، وشيوخٌ يتوسّدون الألم. المجاعة ليست جفاف أرض، بل جفاف ضمير، وهي ليست فقط ندرة خبز، بل ندرة عدلٍ في هذا العالم.
كيف يُعقل…
أن يُترك شعبٌ يُحاصَر من كل الجهات، وتُمنَع عنه المساعدات، وتُقطع عنه الكهرباء والماء والغذاء؟! كيف يغمض هذا العالم عينيه عن مشهد طفل يبحث في ركام بيته عن كسرة خبز أو دمية محطّمة؟
الحرب في فلسطين لم تكن يوماً مجرد صراع حدود، بل إبادة ممنهجة، وتهجير متواصل، وتجويع متعمّد. ومن العار أن نرى شعوباً تموت بصمت بينما تُعقد المؤتمرات وتنشر التصريحات الجوفاء باسم الإنسانية!
“بطون خاوية وضمائر نائمة”
عبارة تختصر مأساة وطن بأكمله. فالمجاعة في فلسطين ليست كارثة طبيعية، بل نتيجة حصار وظلم وغطرسة دولية. وفي زمنٍ تتسابق فيه الدول لتصدير التكنولوجيا، ما زالت غزة تبحث عن قنينة ماء، وعن فتات خبز، وعن شريان أمل.
أين هي المنظمات؟ أين الشعارات الرنّانة؟
أين أنتم أيها المدافعون عن حقوق الإنسان؟!
هل انتهت صلاحية ضمائركم؟
في الختام…
فلسطين لا تحتاج فقط إلى دعم غذائي، بل إلى يقظة ضمير. فالجوع يقتل، لكن الصمت أشد فتكاً. آن الأوان أن نكسر حاجز اللامبالاة، أن نُعيد للإنسانية معناها الحقيقي، وأن نقف مع الحق قبل أن نُسأل: أين كنّا حين كانت فلسطين تموت جوعًا وتُدفن حيّة تحت الأنقاض؟
بقلم الكاتب.. محمود خليفه..
جمهورية مصر العربيه