معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1853

المورخ الكبير الشيخ علي الخاقاني والسائح العراقي الكبير يونس بحري

حجم الخط

بقلم : بديع الشيخ علي الخاقاني

في تمام الساعة الرابعة من مساء يوم 1حزيران سنة1968 رن جرس باب الدار كنا نسكن محلة الاعظمية منطقة السفينة ذهبت ففتحت الباب واذا بشخص لم اراه ولااعرفه قدم لي نفسه احمد عويدات من لبنان وامام الباب سيارة واقفة فرنسية الصنع نوع (ستروين) كان جالس فيها شخص واحد بعد سلامي على الاستاذ احمد ذهبت الى السيارة وسلمت على الشخص الجالس قدم لي نفسه (يونس بحري) رحبت بهما واصطحبتهما الى غرفة الاستقبال واعلمت الشيخ الوالد عندنا ضيوف جاؤا من لبنان , بعدما سمع الشيخ الوالد احمد ثم عانقه عناقا اخويا بعدها قال الاستاذ عويدات للشيخ اعرفك ياشيخنا الجليل واستاذنا الكبير ان هذا الشخص اسمه يونس بحري قال الشيخ كنت اسمع عنك يايونس ولم اراك تحدث الاخوين الشيخ وعويدات مستذكرين الماضي لعقود مضت بعدها سال الوالد ماهي مشاريعكم المستقبلية في لبنان وباريس ونشاطاتكم في حقل النشر والتوزيع قال عويدات نعم تقدمنا كثيرا نشرنا وترجمنا كتب كثيرة بمختلف المواضيع وعندما اذهب الى بيروت سوف ارسلها لكم , ومن خلال احاديثنا الشيقة المفعمة بالتجارب والعبر قدم الوالد مقترح بان نكون نحن مكتبة دار البيان في بغداد وكلاء منشورات عويدات في بغداد وكذلك تكون منشورات عويدات في بيروت نحن وكلائها في بغداد وفعلا تم عقد الاتفاق وتم التوقيع عليه بين الطرفين , وفي صباح اليوم التالي طلب عويدات من الوالد ان يهتم بالسيد يونس بحري , وقال له يونس لايملك جواز سفر او جنسية او أي مستمسك رسمي يحمله معه , وان وصوله معي الى بغداد كان بسبب طرد الحكومة الفرنسية له وتم تجريده من كل شيء ,وقال عويدات للشيخ الوالد انه لايملك أي مبلغ معه ويونس عنده اكثر من مشروع يحب طرحه عليك . وبعد الوداع قال عويدات كلمة اتذكرها جيدا يونس امانة عندكم وهو عراقي مثلكم وبعد سكوته بلحظات قال (اكرموا عزيز قوم ذل) فاجاب الوالد بسرعة يونس واحد منا وسوف لانقصر معه في كل الامور والاحوال (والله سبحانه جل وعلا هو المعين) رابط المرحوم يونس في مكتبتنا لاكثر من سنتين متتاليتين تعرف خلالها على علماء اجلاء فضلاء وعلى سياسين وعلى ادباء وشعراء وعلى كم هائل من شرائح المجتمع وكذلك عندما كان الشيخ الوالد يزور بعض الوزارات ومؤسسات الدولة رسمية اوشبه الرسمية كلن ياخذه معه – وانشاء الله سوف اعد موضوعا مفصلا وشاملا عنه اذا شاء الله جلت قدرته .

ماذا قال الشيخ علي الخاقاني في المرحوم السائح والصحفي الكبير يونس بحري

شاءت الصدف ان التقي قبل شهرين بالاستاذ يونس بحري بواسطة الاستاذ احمد عويدات احد اصحاب دور النشر في لبنان وكنت كغيري اسمع بهذا السائح العراقي الذي اصبح اسطورة العصر وهو حي يرزق , ولاادري كيف ستتضاعف هذه الاسطورة بعد موته , حيث عرفه العالم صحفيا ودبلوماسيا وسائحا وامام جامع في باريس ومفتيا في اندنونسيا ومستشارا لملك ليبيا , ومذيعا في راديو برلين في الحرب العالمية الثانية وصاحب جريــدة (العرب) في باريس , وكتب (حي العرب) , وهو الذي اتقن 16 ستة عشر لغة , وعبر مضيق جبل طارق سباحة في 26 ساعة فائزا بالدرجة الاولى بسباق دولي , , زامل غويلز وزير مالية الرايخ الثالث , وتحدث الى موسوليني وهتلر , وقام بجولة حول العالم على الاقدام باسم (السائح العراقي) … واول من قال (حي العرب) وقال في برلين (بلاد العرب للعرب) . هذه المهمات لو لم نعرفه فيه ولو لم نسمع احداثها في وقت وقوعها لكانت اسطورة الاساطير . رايت هذا الانسان العجيب في روحه وعقله وذكائه , لايفهم من الحياة ولايهوى الا المفاجات والمغامرات , لطيف المعشر , ذكي الفؤاد , يحسن سرد القصص الواقعية ويغمرك بروح بطولية ثائرة وقد اوقفني على كتابه (اسرار 2 مايس) فرايته كتابا صدر عن انسان توسط الميدان وصال وجال , ولم يعبا الرجال , ووجدت فيه الصراحة كنت استكثرها عليه لما سبق علمي بانه يتقن فن البهلوانية العلمية وانه يسبك المجَاز بالمجاز فيخرج على رايه حقيقة ثابتة, ولكنه في كتاب (اسرار 2 مايس) وقف موقف المؤرخ الجريء المتثبت ليطلع الناس على اسرار مرت في تاريخ العراق تحاشى المؤلفون ذكرها .

الشيخ علي الخاقاني كما عرفته

بقلم السائح العراقي يونس بحري

اتيحت من خلال رحلاتي العديدة حول العالم ان اتعرف الى شخصيات كثيرة جدا , وارتبطت بمختلف البلاد برجال منهم من عقدت معهم صداقات وطيدة الاواصر . ومنهم من منحته صلة صداقة عابرة ما فتيء طول الغياب والبعد ان ازال معالمها ولم يبق منها الا ذكريات تتراءى ظلالها من وراء الافق البعيد . يقينا الذكريات هي صدى السنين الحاكي , وهي وان كانت تطرا شباحها عليّ بين اونة واخرى استعرض خيرها وشرها كما يستعرض الانسان شريطا سينمائيا . فان ذكريات الخير وان كانت قليلة فان طابعها الموضوعي لايشجع على ابقاءها ماثلة للعيان وانما ابدا … اقول هذا وكلي ثقة بان ماعقدته من صداقات مع اولئك الرجال لم تتم بسبب ظني بالناس الا وسيلة اتخذها اولئك الاصدقاء لاستغلال امكاناتي وكتاباتي ومواهبي …وتجاربي …والذي روحي بيده انني قد استمريت في هذه الحياة الرتيبة … فصرت اعطي كل ما اعطي بسخاء الذي يهب ما لايملك ؟ واستمر اولئك الاصدقاء المناكيد في استثمار سخائي هذا الى ابعد الحدود الذي تمكنوا من الوصول اليها بدهاء وحيلة ومهارة … وشاء ربك بعد ان افلست ماديا وادبيا واجتماعيا وسياسيا من كل ما املك , واصبحت كما يقول المثل الفقر والطاقة (جالس على الحصير) ؟ اجل لقد شاء ربك ان اتعرف وانا في خاتمة المطاف على شخصية فذة لو كنت اقف فيها على قمم المجد والجاه والثروة وانا اتحكم في مختلف تيارات الاثير في العالم اجمع لتغير وجه تاريخي , ولما وصلت لمثل هذه الحالة التي لا يحمد فيها الانسان على مكروه سوى الله ؟ ان هذه الشخصية الفذة تتمثل في اخر من تعرفت عليهم من الاصدقاء . واعني به الاستاذ الاديب والشيخ والمؤرخ الحبيب السيد علي الخاقاني صاحب مجلة البيان ومكتبة دار البيان الواقعة في شارع المتنبي (ابو الطيب) ببغداد .وانني ارجوا الله صادقا ان احتفظ ما حييت بهذا الصديق الذي هو في الواقع ممن صدقك أي من صادق على كل ماتفعل وتقول وانت مخطيء بهذا الصدد ؟ رب اخ لم تلده امك ؟

لقد كنت اتخبط في متاهات الصداقات الكاذبة .. ودروب الاخاء الضيقة القذرة واحاول بدون جدوى ان ازين لنفسي صدق هذه الاكاذيب , وصحة ذلك الاخاء الوهمي الذي كنت وانا الضمان الى الصديق الصادق احسب السراب ماءا … ولما خبرت صداقة الخاقاني وترصدت افعاله .. ودرست اقواله … استعدت الثقة بالناس والحياة اليومية وايقنت جازما بان الاخ الحق هو ليس من ولدته امك … فهو المثال الاروع في الصدق للتآخي . والحسم في الوفاء ..والتفاني في البذل والعطاء . بعيدا عن اقتناص فرص الاستغلال . والامعان في طرق الاستثمار لجر مغنم . وجعل الصداقة وسيلة لاستجداء العطف . هذا هو علي الخاقاني بصفاته الموضوعية العميقة الجذور … الانسان والرجل الكريم اما الخاقاني التاجر الكاسب في حياته اليومية فهو شخصية تختلف بمجموعها في اساليب البيع والشراء والاخذ والعطاء … من غيره ممن حشروا انفسهم في مكاتب شارع المتنبي من وراقين وطباعين وباعة كتب وارباب مكتبات وتجار كلام , فيبيع ويشتري بطرق ادبية وعلمية غالبا …وتراها احيانا يرتفع الى مستوى القدسيات عندما يحتدم الجدل مع رجال لهم مكانتهم المسلم بها في المجتمع … ولكنه لايفتا ان يفقد اعصابه عندما يجابه بانسان يحاول بغباء لانهائي ان يفرض نفسه في حوار عقيم عليه فيطرده من ندوته طردا لارجوع فيه الى الابد ..؟.

الخاقاني يكره اشد ما يكره الكذب وعدم التقيد بالمواعيد .. وقد فقد طائفة غير محترمة من الاصدقاء الذين تميزوا عن غيرهم بمثل الخصال انفة الذكر على راسهم رائد الاكاذيب فرعون الجاهلية العربية المعاصرة العبد الفاجر… وفي مؤخرتهم التقى غير التقي الشيخ راضي ..؟ ولعل اهم ما اواخذ الصديق الخاقاني عليه هو انه صديق لايرحم نفسه في حب صديقه البحري اثناء الليل واطراف النهار ..

الشيخ علي الخاقاني كما عرفته ؟.

ربطتني صداقات كثيرة مع مختلف انواع البشر في هذا العالم الفسيح الارجاء خلال رحلاتي حوله باسم (السائح العراقي) فلم ينجح في امتحان الصداقة الا قلة من الاخوان لايتعدى مجموعهم عدد اصابع اليد الواحدة … وفي طليعتهم ان لم اقل اولهم واخرهم الشيخ علي الخاقاني .. وانا لااقول ان علي الخاقاني وحيد دهره او فريد عصره فنحن نجد الاعلام الكرام كثيرين نباهي بغزارة علمهم ونعترف بفضلهم وادبهم , ونسير على هداهم كالمغفور له امير البيان الامير شكيب ارسلان وآية الله العظمى الشيخ محمد عبد الحسين كاشف الغطاء والزعيم التونسي الشيخ عبد العزيز الثعالبي ورئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الشيخ محمد البشير الابراهيمي وزعيم المغرب علال الفاسي والعلامة الشيخ احمد الزهاوي والمؤرخ الشيخ عبد العزيز الرشيد رفيقنا وشريكنا في مجلة الكويت والعراق التي اصدرناها في بنافيا – جاكارتا عاصمة اندنوسيا من سنة 1929 الى اواخر سنة 1933 بامر فقيد الاسلام والعروبة الخالد الملك عبد العزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية للدعاية للحج الى بيت الله الحرام فكان التوفيق حليفنا في هذا المضمار الذي لم يجارينا فيه احد من قبل او من بعد … ومع ذلك فان اسم الشيخ علي الخاقاني قد تالق بين تلك الاسماء الساطعة واستطاع بما وهبه الله من حكمة ودراية ورجاحة عقل ان يجد فيما بيننا مكانا سويا ومن هنا تاتي اهمية الرجل الاديب .

الخاقاني الاديب

وعلي الخاقاني من رواد المدرسة التجديدية التي لم تتاثر بالاساليب القديمة المعتمدة على ادب اللفظ والتكرار الممل والسجع والقافية المتحذلقة , والبديع المتحجر الاجوف فحسب بل دعا الى تحرير الكلمة والتجديد في الاسلوب والمضمون والتطور ومع روح العصر , وقد راينا فيما نشر وقدم من شعراء العراق الاقدمين والمعاصرين كشعراء العربي والبصرة والكوفة والحلة ان اسلوبه سهل ممتع , فاصبح البيان مع تذكر متدرج متصاعد في الوضوح والدقة يخاطب بقلمه عقول قارئيه وسامعيه فيجيد التعبير عن بنات افكاره بيسر زائد بلاتكلف او كثير عناء الى حد يبلغ فيه الضرورة في الافهام والتواضع … ويكفي الخاقاني فخرا انه شيخ مؤرخي التراث الشعبي العراقي (فولكلور) فلقد استطاع بمجهوده الفردي ان يخلق لهذا التراث كيانا خاصا يتميز بالطابع الشعبي المستمد من صميم المجتمع المتعدد الصور والمشاكل . فيضفي عليه ثوب التعرية والتوجيه والنقد الذاتي والتوجيه والنقد الذاتي الهادف , وحب الانسانية وابعادها عن شرور المنكر والزامها بالامر بالمعروف . ولعلي لااغالي اذا قلت ان الخاقاني من المؤمنين بالدور الفعال الذي يقوم به الاديب في ابراز ادبه والتاثير به في حياة الفرد والمجتمع لمعرفته الوثيقة التامة بان الشعب لايصل الى مدارج الكمال اذا لم يكن هذا الكمال قائما على اسس وقواعد ثابتة ان الادب الحي الرصين الذي يمكننا من البقاء والتطور والنمو في الحياة الدنيا , وامر ثان جعل اسلوب الخاقاني في الكتابة والتعبير ناجحا ومقبولا وسهلا . هو ميله الى اليسر والوضوح والدعاية الحلوة المستحبة . وكرهه التكلف والتملق والتعقيد ويكفي للدلالة على صحة مانقوله ان الفلسفة مزاج والشعر نفسه مزاج ايضا … كما ان الابوة بدورها مزاج كذلك … والخاقاني في مزاجه الادبي هو سفر ضخم يمشي على ساقين … ولكنه والحمد لله ليس في مشياته التي مضت والتي ستنمي كلامنا هذا لــيس (مشاء بنميم) بل هو خير حافظ لرواية الادب والشعر وتاريخ التراث الشعبي والالوان الوطنية والبراقة الخالدة في وادي الرافدين . ان صديقي علي الخاقاني بحد ذاته رسالة ؟؟؟ وكما عالج الشيخ علي المقالة والخطبة والمحاضرة , فقد عالج بشكل خاص الرسالة … فمجالسه اليومية هي ندوات لاتنقطع فيها سلسلة رسالته اليومية في الادب والشعر والتاريخ والتراجم والانساب بعيدا عن السياسية التي ما دخلت بيننا الا وافسدته واهلكت الحرث والنسل .

بديع الشيخ علي الخاقاني

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *