الشعب العربي بين طغيان الداخل وتآمر
الخارج
أ. د. محمد طاقة
وردني تعليق على مقالتي ( الحقيقة المرة ) جاء فيه (( العرب اعداء انفسهم )) وأود ان أوضح ان الشعب العربي ليس عدواً لنفسه .
ومن اجل مواجه النقد الذي يُحَمِلَ الشعب العربي مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع من تخلف وضعف ، لا بد من التوقف عند هذه المقولة وتحليلها بعقلانية وعدالة . فهل الشعب العربي فعلاً عدو نفسه ، أم ان المسؤولية الحقيقية تقع على عاتق من حكمهم ومن هندس مصائرهم ؟ وهل نغفل عن العوامل الخارجية التي طالما سعت لإجهاض كل محاولة نهوض عربي ؟
ليست الشعوب العربية هي التي خططت لتفتيت الامة ، ولا هي من أضعفت التعليم ونهبت الثروات وكممت الأفواه . بل الانظمة التي جثمت على صدور الناس عقوداً من الزمن ، جاءت معظمها نتيجة ترتيبات استعمارية بعد انهيار الدولة العثمانية ، ثم استمرّت بعد الاستقلال الشكلي بأدوار وظيفية تخدم مصالح الخارج اكثر مما تخدم شعوبها .
هذه الأنظمة عملت على تعطيل الوعي ، وتحويل المواطن إلى كائن خائف ، منهك ، بلا حقوق ، ولا قدرة على المشاركة في التنمية او القرار السياسي ، ومن الطبيعي ان تثمر هذه البيئات أنظمة تعليم متردية ومؤسسات صحية عاجزة ، وبنية تحتية متهالكة وسلوكيات اجتماعية تشجع على السلبية
لا الانتاج ، إذاً لا يجوز اتهام الشعب العربي بالعداء لنفسه ، بل الأنظمة الاستبدادية التي حاربت وعيها وقدراتها وأقصتها على الفعل الحقيقي .
الامة العربية ليست عاجزة بطبيعتها ,بل تملك إمكانيات بشرية هائلة ، وثروات طبيعية من نفط وغاز وزراعة ، وموقعاً جيوسياسياً يجعلها مركزاً حيوياً للتجارة والطاقة والثقافة ، لكنها عطلت بفعل الاستبداد والفساد والارتهان السياسي والاقتصادي للخارج ، ( كما حدث ويحدث في العراق ) . فهذه الثروات لم تستثمر لبناء الإنسان ، بل خصصت لحماية
أنظمة الحكم وتثبيت سلطتها أو نهبها لحسابات شخصية . لم توظف هذه الإمكانيات في مشاريع تنموية حقيقية ، ولا في البحث العلمي أو تطوير التعليم بل صرفت في مشاريع استهلاكية خالية من الرؤية ، كل هذا يجعلنا نؤمن ان فشل التنمية ليس فشلاً في الشعوب ، بل في القيادة والرؤية والإرادة السياسية .
من غير الممكن الحديث عن واقع الامة دون الإشارة إلى العوامل الخارجية ( وهو عامل مهم جداً وأساسي في ما نحن عليه ) فالمشاريع الاستعمارية والصهيونية والغربية عموماً لم تنقطع عن التدخل في الشأن العربي منذ سقوط الخلافة وحتى اليوم . هذه القوى تمتلك ادوات الضغط الهائلة، المال ، والاعلام ، والتكنولوجيا ، والقوة العسكرية الفتاكة ، وهي لا تتردد في استخدامها لإجهاض اي تجربة عربية تحاول النهوض . وما جرى مع الرئيس جمال عبد الناصر و صدام حسين و معمر القذافي و علي عبد الله صالح وغيرهم ، ليس سوى شواهد صارخة
إلى ما ذهبنا اليه . كل محاولة لتحقيق استقلال سياسي او اقتصادي قوبلت بمحاولات تخريب داخلية وضغوط خارجية ، من المعوقات إلى الحروب إلى الاغتيالات إلى تأليب الإعلام ، فالاستهداف ممنهج والعداء لاي مشروع عربي حقيقي هو ثابت في السياسات الغربية والصهيونية .
الشعب العربي ليس عدواً لنفسه ، بل ضحية لانظمة قمعية وعوامل خارجية تكاملت في ضربه وتقييده .
نحن نمتلك كل مقومات القوة ، لكننا بحاجة إلى وعي جماهيري وقيادات صادقة ومشروع نهضوي ، فلا ينبغي ان نعيد انتاج خطاب جلد الذات ، بل علينا ان نوجه البوصلة نحو من منعوا الامة من ان تكون كما يجب ان تكون .
عمان
في 7/5/2025