أ. د. محمد طاقة
لا تنهض المجتمعات ولا تتقدم الامم إلا بسواعد أبنائها المنتجين ، أولئك الذين يدركون قيمة الوقت واهمية العمل في بناء الحاضر وصنع المستقبل ، فالإنسان المنتج هو حجر الاساس لكل عملية تنموية ناجحة ، اذ أن العمل والإنتاج بمختلف اشكالهما ، الفكري والمادي والاجتماعي ، يشكلان القاعدة التي تبنى عليها الحضارات .
وفي هذا السياق ، تبرز اهمية استغلال جميع الطاقات البشرية المتوفرة ، سواء في سن العمل أو بعده ، من اجل تحقيق مجتمع متطور ومتكامل يعتمد على نفسه ويصنع مستقبله بيده .
الانسان المنتج هو الذي يستغل جُلّ وقته بالعمل والإنتاج ، مهما كان نوع هذا الانتاج ، فالانتاج لايقتصر فقط على الجهد البدني والمادي ، بل يشمل ايضاً الانتاج الفكري والاجتماعي والإنساني ، كل إسهام حقيقي يقدمه الفرد لمجتمعه ، سواء كان فكرة جديدة ، مبادرة اجتماعية ، أو منتجاً مادياً ، يعد جزءاً من عملية الانتاج التي ترتقي بالمجتمع وتدفعه نحو التقدم .
يتكون المجتمع من أفراد تجمعهم مقومات مشتركة كالدين ، واللغة ، والتاريخ ، والجغرافيا ، وعندما يكون هؤلاء الأفراد منتجين ويستغلون قدراتهم وطاقاتهم بأقصى ما يمكن ، فإنهم يشكلون مجتمعاً منتجاً مثالياً ، وإنتاجية الفرد مهما كانت طبيعتها ، تنعكس ايجابياً على المجتمع ككل ، وتؤدي إلى بناء مجتمع مزدهر وقادر على تحقيق تطلعاته المستقبلية .
تتميز المجتمعات المتقدمة بأنها تنتج اكثر مما تستهلك ، مما يجعلها متطورة اقتصادياً واجتماعياً ، كما هو الحال في الدول الصناعية الكبرى ، خصوصاً في الدول الرأسمالية ، اما المجتمعات التي تستهلك اكثر مما تنتج ، فهي مجتمعات متخلفة وعاجزة عن تحقيق التنمية المستدامة ، مما يجعلها معتمدة بشكل دائم على غيرها ، وغير قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي أو التطور الحقيقي .
من واجب الإنسان ان يعمل ويستغل كل وقته المتاح للإسهام في تطوير مجتمعه اقتصادياً ، واجتماعياً ، وثقافياً ، وفي جميع مناحي الحياة ، ولا يقتصر هذا الواجب على سن العمل فقط ، بل يشمل ايضاً مرحلة ما بعد التقاعد .
فالمتقاعدون يمتلكون خبرات وتجارب ثمينة يمكن ان تسهم في نقل المعرفة إلى الأجيال الجديدة .
ولكن ومع الأسف نجد ان كثيراً من المتقاعدين لا يشاركون هذه الخبرات ، بل يقضون أوقاتهم في أنشطة غير منتجة مثل الجلوس لساعات طويلة في المقاهي أو امام شاشات التلفاز بلا فائدة تذكر .
تعد فئة المتقاعدين مورداً هاماً يمكن الاستفادة منه في مجالات كثيرة تتناسب مع أعمارهم وقدراتهم (( كطبيب أسنان متمرس ، محامي قدير ، استاذ جامعي لامع إلى آخره )) ، وذلك من خلال توظيفهم في أعمال استشارية او تدريسية ، يمكن دعم الاقتصاد الوطني والاستفادة من معارفهم الواسعة في تطوير مختلف القطاعات .
فالمتقاعد لا يعني نهاية العطاء ، بل يمكن ان يكون بداية جديدة لعطاء مختلف بطبيعته لكنه لا يقل اهمية .
على الانسان مهما بلغ من العمر ، ان يظل فاعلاً ومنتجاً في مجتمعه . العمل المنتج ليس مرتبطاً بالعمر بقدر ما هو مرتبط بالإرادة والقدرة على العطاء .
سواء عبر نشاط فكري أو اجتماعي أو اقتصادي ، فكل فرد قادر على ان يكون عنصراً فاعلاً وليس عبئاً على المجتمع ، فالمجتمعات التي تشجع ابنائها على الانتاج الدائم هي مجتمعات قادرة على الاستمرار والتطور .
ان العمل والإنتاج مسؤولية فردية وجماعية في آن واحد ، فمن خلال تفاني الأفراد في استثمار أو قاتهم وقدراتهم ، يمكن للمجتمعات ان ترتقي وتحقق استقلالها وتطورها المنشود .
ولذا يجب علينا ان نزرع في نفوس أبنائنا حب العمل ، واهمية الانتاج وقيمة الوقت لنصنع اجيالاً فاعلة قادرة على حمل راية التقدم ، فالإنسان المنتج هو الثروة الحقيقية التي لا تنضب ، وهو الامل الذي تبنى عليه حضارات الغد .
عمان
في 1/5/2025