معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1853

السفسطة المعاصرة سلاح لتضليل الجماهير (( ظاهرة قديمة بثوب معاصر تحكم العراق )) ..

حجم الخط

أ. د. محمد طاقة

من هم السفسطائيون؟

من يراجع التاريخ الفلسفي لبلاد الإغريق في نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس قبل الميلاد ، سيتوقف كثيراً عند ظاهرة السفسطائية ، تلك الحركة التي لم تكن فلسفة بالمعنى الدقيق ، بل كانت فناً في الكلام ، وصناعة للإقناع ، ومهارة في قلب الحقائق وتزييف الوعي .

نشأت السفسطائية في مناخ فكري مضطرب ، حيث بدأ التساؤل عن الحقيقة والمعرفة والعدالة ، وجاء فلاسفة السفسطة ليعلنوا بكل جرأة أن الحقيقة نسبية ، وان الإنسان هو مقياس كل شيء ، فلا وجود لحقيقة مطلقة ، بل لكل فرد ( حقيقته ) حسب ما يرى ويعتقد ، وهو ما فتح الباب امام عبثية فكرية شرعت لتزييف الواقع وتبرير الباطل .

هذه الفئة تستخدم الكلام ، الذي فيه تمويه للحقائق ، الخالي من المنطق وهم يصرفون الذهن أيضاً عن الحقائق والأحوال والأمور الصحيحة او المقبولة في العقل والمنطق ويعملون جاهدين على تضليل الخصم عن الوجهة الصحيحة في التفكير وعن الحقيقة .

احترف السفسطائيون مهنة تعليم فن الإقناع ، وكانوا معلمين متجولين يعرضون خدماتهم لمن يدفع اكثر ، ويعلمونهم كيف ينتصرون في الجدل ، لا بالحجة والمنطق ، بل بالمراوغة والتلاعب اللفظي ، كانوا يستطيعون ان يقنعونك بالشيء ونقيضه في آن واحد ، ليس حباً في المعرفة ، بل حباً في المال والشهرة والسلطة .

الشخصية السفسطائية شخصية جدلية ويقع تحت وطأتها البسطاء والمتخلفين ومحدودي العلم والمعرفة ، وهي شخصية تتكلم بسرعة غير معتادة تفتقد الحكمة ، كما انها معقدة تعاني من مشكلات اجتماعية ونفسية وتناقش بغباء مطلق وتتفنن في صناعة الجدل العقيم .

أمتلك السفسطائيون قدرة فائقة على الجدال وقلب المفاهيم ، فكانوا يلبسون الباطل ثوب الحق ، ويتلاعبون بالألفاظ بطريقة تذهل العامة وتخدع البسطاء .

لم يكن غرضهم الوصول إلى الحقيقة ، بل الهيمنة على عقول الناس واستغلال جهلهم لتحقيق المكاسب .

وبعد ألفي سنة ، يعود السفسطائيون الينا بثوب ديني طائفي ، وبخطاب مسموم يخرج من مدارس قم وطهران ودهاليز النجف وكربلاء ، انهم السفسطائيون الجدد ، الذين تلقوا فن الخطابة ، لا من اجل بناء وعي المجتمع بل لتكريس التخلف وتثبيت الجهل وإدامة الاستعباد ، يمتلك هؤلاء اليوم سلطة القرار في العراق ، ويحتكرون المنابر الدينية والسياسية والإعلامية ، يتحدثون عن الحق والمظلومية والعدالة ، بينما هم اول من ينقضها ، يقنعون الناس باسم الدين ، بينما دينهم هو المال والسلطة ، يستخدمون آيات الله لتبرير السرقة ، ويستغلون جهل الفقراء ليبرروا خيانتهم للوطن .

حيث يخرج احدهم ليبرر سرقة المال العام باسم الخمس أو الحقوق الشرعية ، فهو سفسطائي بامتياز ، وحين ترتكب الجرائم وتغتصب الحقوق ويقتل الأبرياء ثم يبرر ذلك على انه جهاد او دفاع عن العقيدة ، فهذا هو قلب الحقائق بصورته الابشع ، وحين يعطل التعليم وتهمل المستشفيات وتمنع فرص العمل ثم يأتيك من يخطب فيك عن الكرامة والعدالة والإلهية ، فاعلم انك أمام سفسطائي جديد .

حين يتم تغييب العقول ، وإغراق الشباب في الخرافات والخزعبلات ، ويمنع النقد والعقل والمنطق وتقديس العمائم فاعلم ان السفسطة تسود البلاد .

هؤلاء هم الذين جاءت بهم قوات الاحتلال ونصبتهم على حكم العراق العظيم بثرواته وشعبه ، جاءوا بهم ليدمروا كل شيء في العراق وليعملوا على اشاعة التخلف والجهل والفقر والحرمان وشردوا نصف الشعب العراقي من موطنهم ، وقتلوا اكثر من مليوني عراقي ، متسترين بالدين ومسوغين أعمالهم الدنيئة كلها به .

لقد اعتنقوا مذهب السفسطائيين القدامى نفسه ، بحيث استخدموا الكلام ، الذي فيه تمويه للحقيقة والخالي من المنطق وتصرفوا بامور كثيرة لايقبلها العقل ولا المنطق واستخدموا الكذب والدجل والسحر والشعوذة اسلوباً لتغطية افعالهم وابادة خصومهم ، لذلك من اجل كسب المال وسرقته عن طريق النصب والاحتيال .

نلاحظ ان السفسطائيون الجدد لا يختلفون كثيراً عن اسلافهم في بلاد الإغريق ، لكنهم اشد خطراً لانهم يلبسون عباءة الدين ويتحدثون باسم الإله ، انهم مرض خطير في جسد الامة ، ووباء فكري لا يقاوم إلا بالوعي والتعليم والنقد والعودة إلى العقل .

لان هؤلاء من غير البشر فهم بشر من نوع خاص لانهم يمثلون الرذيلة والانحطاط بعينه ، وكما وصفهم ( افلاطون ) ، (( فهم مشعوذون ووحوش ضارية ))، واليوم هم الذين يقتلون ويهجرون ويفجرون ويسرقون ويقومون بكل أعمال الرذيلة والمنكر ، انهم كفايروس كورونا انتشروا في العراق والوطن العربي لتدميره وتمزيقه .

انهم اكبر كارثة حلت على العراق والوطن العربي منذ بداية التاريخ ، لابد من اقتلاعهم من جذورهم كما فعل كل من (( أرسطو وسقراط وأفلاطون )) في مقاومتهم للسفسطائيون القدامى قبل الفّي عام ، ولا خلاص للعراق ، ولا نهضة له ، إلا بكشف هؤلاء وفضح خطابهم وإسقاط أقنعتهم ليسترد الإنسان وعيه ووطنه وكرامته ..

عمان

في 18/4/2025

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *