معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1853

المشروع القومي العربي في مواجهة المشاريع الخارجية (( هل آن وقت التغيير )) ..

حجم الخط

أ. د. محمد طاقة

لطالما اعتبر الشرق الأوسط مركزاً للصراعات الجيوسياسية ، بسبب موقعه الاستراتيجي وثرواته الهائلة ، خاصة في مجال الطاقة ، الهيمنة على المنطقة تمنح أي قوة عالمية نفوذاً هائلاً في تحديد اسعار النفط والغاز مما ينعكس على الاقتصاد العالمي بأسره .

امريكا ادركت منذ عقود أن السيطرة على الشرق الأوسط تعني ضمان تفوقها الاقتصادي والعسكري ، ليس فقط عبر تأمين إمدادات الطاقة ، ولكن ايضاً عبر منع منافسيها ، خاصة الصين ، من الوصول الحر إلى هذه الموارد .

في ظل الصراع المتنامي بين الصين وأمريكا ، هل ستنجح الصين في ايجاد موطن قدم لها في المنطقة ، ام أنّ امريكا ستظل اللاعب المهيمن ؟

في اعتقادنا ان أمريكا وحلفائها التقليديين في المنطقة سيساعدون امريكا على تحقيق اهدافها ، لقد لعبت أمريكا دوراً محورياً في اسقاط المشروع القومي العربي ، (( الذي كان العراق يحمل رايته )) من خلال دعمها للمشروعين الصهيوني والفارسي لضمان عدم نهوض أي قوة عربية مستقلة قادرة على مواجهة الهيمنة الغربية .

تسليم العراق إلى ايران كان احد اكبر التحولات في المنطقة ، حيث استخدمت الطائفية كأداة لتمزيق النسيج العربي واضعاف أي إمكانية لقيام مشروع قومي جديد .

ومع توسع النفوذ الإيراني عبر أدواته في اليمن ولبنان وسوريا ، بدا وكأنه شريك غير مباشر للمشروع الأمريكي ، سواءً بوعي منه أو دون وعي ، لانه ساهم في اضعاف الدول العربية بدلاً من توحيدها .

اليوم الصراع بين ايران وإسرائيل لم يعد مجرد حرب بالوكالة ، بل اصبح مواجهة مباشرة ، خاصة بعد الضربات المتتالية لأذرع ايران في المنطقة .

واذا تم تحجيم الحوثيين في اليمن بشكل كامل ، فإن المرحلة القادمة ستشهد تصعيداً ضد ايران داخل أراضيها ، سواءً عبر العقوبات او العمليات السرية او حتى ضربات عسكرية محدودة .

إسرائيل تسعى لان تكون القوة الوحيدة المتحكمة فى المنطقة ، وأمريكا تدعم هذا التوجه ، لانها ترى ان إسرائيل هي الحليف الأكثر ولاءً واستقراراً ، على عكس ايران التي قد تتغير سياساتها مع اي تغيير داخلي .

منع ايران من امتلاك قنبلة نووية سيكون اولوية قصوى لاسرائيل وامريكا ، لان امتلاك ايران السلاح النووي سيغير معادلة الردع في المنطقة .

اما العرب فهم للأسف الحلقة الأضعف ، لانهم فقدوا مشروعهم القومي بسبب غزو واحتلال العراق ، ولم يعودوا قادرين على فرض أي رؤية موحدة ، الدول العربية اليوم منقسمة بين دول خاضعة للهيمنة الأمريكية ، وأخرى تحاول المناورة دون استراتيجية واضحة .

وأحزاب الامة العربية هي الأخرى منقسمة ، في ظل هذا الوضع يظل العرب مجرد بيادق في لعبة القوى الكبرى بدلاً من ان يكونوا لاعبين أساسيين .

ومع ذلك ان إمكانية عودة النهضة العربية قائمة طالما كان هناك ايمان مشترك وقدرة على تجاوز الانقسامات والتضامن في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية .

التاريخ يشهد على قدرة الشعوب على النهوض في احلك الظروف عندما يتوفر الاتحاد والوعي .

الامة العربية تمتلك إمكانيات هائلة من موارد بشرية ومادية ، بالإضافة إلى ارث حضاري وروحي غني يُستمد من قيم الإسلام ومبادئه السمحة ، ما يمنحها الاساس للقيام بمشروع قومي حقيقي يهدف إلى التوحد والتطور .

في ظل الضغوط التي تمارسها القوى الخارجية ، يبدو ان التحدي الأكبر يكمن في بناء رؤية مشتركة تعبر عن مصالح الامة باكملها ، بعيداً عن الانقسامات الطائفية والعشائرية .

ومع تغيير الظروف العالمية وتبدل المصالح ، قد تأتي فرصة حقيقية لإحياء المشروع القومي العربي ، إذا ما استطعنا تحويل هذه الإمكانيات إلى استراتيجيات عمل واقعية ومستدامة بالتالي ، فإن الارتقاء بالمشهد العربي يتطلب تخلي القيادة والمجتمع عن التصرفات الفردية ، واعتماد منهجية جماعية تقوم على التشارك في الاهداف والرؤية ، بالإضافة إلى استثمار القوة الفكرية والثقافية لاعادة بناء الثقة والهوية الوطنية المشتركة .

التاريخ ليس ثابتاً ، ومستقبل الامة العربية يعتمد على الإرادة الجماعية في تجاوز العقبات والضغط الخارجي لصالح مصالحها الوطنية .

يمكن النظر إلى سياسات ترامب التي تستهدف الحد من النفوذ الإيراني وتدمير الأذرع الإيرانية في العراق وغيرها من دول المنطقة ، على انها قد تخلق ظروف قد تفضي إلى تغيير في موازين القوى ، ففي حال نجاح هذه السياسات في تغيير الانظمة الفاسدة وتخفيف النفوذ الإيراني ، قد يفتح المجال امام قوى عربية اكثر تماسكاً لتأمين مصالحها وتحقيق نوع من التوازن في المنطقة .

لكن من ناحية اخرى ، فإن النجاح الحقيقي للمشروع القومي العربي ، يعتمد ليس فقط على العوامل الخارجية او السياسات الأمريكية ، بل على قدرة القادة والمجتمعات العربية على استثمار الفرص وتوحيد جهودهم للتغلب على الانقسامات الداخلية وتطوير استراتيجيات واضحة للنهوض بالدول العربية .

بمعنى آخر ، قد توفر هذه السياسات نوعاً من الزخم لتغيير النظام في العراق او ايران ، إلا ان النتيجة النهائية مرتبطة بمدى جاهزية الامة العربية لاستغلال تلك التحولات في صالحها .

باختصار ، يمكن القول ان مانشير اليه من إمكانية استفادة المشروع القومي العربي من هذه السياسات قائم على افتراض حدوث تحول جيوسياسي يفضي إلى تقليل النفوذ الإيراني ، وهو ما قد يساهم في احداث تغيير إيجابي ، بشرط ان تتضافر الجهود العربية في ظل رؤية واستراتيجية مشتركة .

واخيراً نحن مؤمنون بمستقبل الامة العربية وبمشروعها القومي العربي ، رغم التحديات الهائلة ، نعم اعداء الامة يدركون ان اي نهوض عربي حقيقي سيهدد مشاريعهم ، ولهذا يعملون على إبقاء الامة في حالة ضعف وانقسام ، سواءً من خلال اثارة الفتن والطائفية أو دعم الأنظمة الفاسدة ، أو فرض الهيمنة الاقتصادية والسياسية ، ولكن لا يوجد شيء مستحيل ، والشعوب عندما تعي واقعها وتدرك قوتها تستطيع قلب المعادلات .

التغيرات العالمية قد تفتح أبواباً جديدة للنهوض العربي ، لكن المفتاح الأساسي يبقى في الإرادة الجماعية والوعي بأهمية الوحدة والعمل المشترك ..

 

عمان

في 5/4/20025

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *