معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1853

هذه هي طبيعة النظام الرأسمالي .. 

حجم الخط

أ. د. محمد طاقة

على شاشات التلفزيون ، برز مشهد اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس زيلنسكي ، كرمز لصورة جلية عن المنظومة الرأسمالية المعاصرة .

فقد كان اللقاء خالياً من الدبلوماسية التقليدية ، مما عكس عنجهية النظام الرأسمالي الذي لا يسعى إلا إلى تعاظم راس المال والسيطرة على موارد الدول الأخرى .

تتجلى في هذا المشهد ، روح العولمة التي ترتكز على تصدير نموذج اقتصادي وثقافي يسعى للهيمنة على العالم .

منذ بداية التسعينات ولا سيما منذ عام (1991) باتت العولمة الأمريكية محور نقاشاتي وكتاباتي التي تناولت فيها هذه القضية مراراً وتكراراً ، وكنت ارى ان الولايات المتحدة الاميركية تعمل على اضعاف القوى التي قد تشكل توازناً عالمياً مثل (( الصين وروسيا ، وحلفاء أمريكا في اوربا ، بل وحتى العرب في حال توحدهم )) .

الهدف الأساسي هنا هو تفكيك التوازنات القائمة عبر القضاء على القوى البديلة التي يمكن ان تنافس النموذج الاحادي الجانب الذي ينتهجه الرأسمال الأمريكي .

يُعد التحكم في مصادر الطاقة من العوامل الأساسية في استراتيجية التحكم والهيمنة الأمريكية ، إذ تُعد مناطق الخليج العربي والعراق مصادر ضخمة للنفط والغاز ، وهذا التحكم يتيح للولايات المتحدة الأمريكية ، الضغط على اوربا التي تعتمد على استيراد اكثر من (27‎%‎ ) من الانتاج العالمي من النفط ، كما ان الصين تعاني من نفس الاعتماد على الاستيرادات النفطية .

إلى جانب ذلك ، تسعى القوى الامريكية إلى السيطرة على الثروات المعدنية الحيوية المتوفرة في دول مثل أوكرانيا والتي تعتبر ضرورية لصناعة الالكترونيات والتقنيات الحديثة .

بِحسَبْ ما كُتِبَ ، فإن الرئيس الأمريكي الذي يواجه ديوناً تجاوزت ال (36) ترليون دولار وفائضاً تجارياً لصالح الصين يقدر ب (400) مليار دولار ، ولهذا يتوقع ان تتبنى الإدارة الأمريكية سياسات اقتصادية تعتمد على (( استخدام القوة لتحقيق السلام )) أي استخدام القوة كوسيلة لابتزاز العالم والحصول على اكبر قدر ممكن من الدولارات لتغطية العجز المالي الهائل .

إن الهدف النهائي من كل ذلك هو مواجهة الصين اقتصادياً وتكنولوجياً ، إذ باتت تشكل تحدياً حقيقياً للنظام الاحادي القطبية الذي يسعى لتحقيق الهيمنة على العالم .

يتضح مما تقدم ان المنظومة الرأسمالية ، كما يُرصد في السياسات الأمريكية ، تعتمد على مزيج من العولمة الاقتصادية والسيطرة على الموارد الحيوية واستخدام القوة كأداة لتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية ، هذا النهج لايهدف فقط إلى تعزيز تفوق راس المال الأمريكي ، بل يسعى أيضاً إلى تفكيك أي محاولات لخلق توازن عالمي متعدد الاقطاب .

مما يثير تساؤلات حول مستقبل النظام الدولي في ظل تحديات اقتصادية وجيو سياسية متزايدة .

في ظل السياسات التي يمارسها الرئيس ترامب وحكومته ، تتصاعد تساؤلات حول مستقبل النظام الدولي ، فقد شهدنا لقاءات ومواقف تبرز بوضوح سلوك الهيمنة الاقتصادية والسياسية التي تعتمد على توسيع نفوذ راس المال عبر العولمة ، مما يفتح المجال امام تغيرات جذرية في معادلات التحالفات الدولية .

ففي ظل هذه السياسات تظهر توقعات بتشكيل اصطفافات وتحالفات جديدة على الساحة الدولية ، فمن جهة قد تتحد الدول الاوربية ضد السياسات الأمريكية التي تتعارض مع مصالحهم الوطنية ، بينما ينضم إلى ذلك دول البريكس التي تسعى لخلق نظام دولي تعددي لا تهيمن عليه جهة واحدة ، وفي المقابل من المحتمل ان تحاول امريكا تأمين حلفاء جدد لمواجهة التحديات المتزايدة ، مما يغير بشكل جذري معادلة القوى العالمية .

إن تزايد المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وعدم قدرتها على ايجاد حلول سلمية قد يتحول في النهاية إلى لغة السلاح ، فكلما تعمقت الأزمة الاقتصادية وتفاقمت التحديات الاجتماعية تزداد احتمالية تحويل هذه المشاكل إلى صراعات مسلحة ، مما قد يؤدي إلى نشوب حرب عالمية جديدة . ففي ظل سياسات الهيمنة الاقتصادية والتوجه الاحادي الجانب ، حيث يصبح استخدام القوة سلاحاً لحل الأزمات التي تعجز الدبلوماسية عن معالجتها .

 

عمان

3/3/2025

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *