أ. د. محمد طاقة
أصدر الرئيس الاميركي دونالد ترامب قراراً تنفيذياً ، بتعليق المساعدات الخارجية الأمريكية لمدة ( 90) يوماً ، باستثناء المساعدات المقدمة لكل من مصر وإسرائيل ، وفي تصورنا ان هذا القرار يهدف إلى مراجعة برنامج المساعدات الخارجية للتأكد من صحتها وفاعليتها ومردودها وتوافقها مع اهداف السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الحالية ، ولهذا السبب حدد فترة (90) يوماً ولم يكن القرار نهائيا ، بل احيل إلى لجنة في وزارة الخارجية لاجراء مراجعة شاملة لتقييم مدى توافق هذا البرنامج مع اهداف السياسة الخارجية للإدارة الحالية .
ولم يتم الإعلان عن أي تمديد لهذه الفترة حتى تاريخه ، وبعد انتهاء فترة المراجعة ، من المتوقع ان تقدم وزارة الخارجية توصياتها بشأن استئناف أو تعديل أو إنهاء برنامج المساعدات المختلفة بناءً على نتائج المراجعة ، على اعتبار ان صرف أي نفقة لا بد ان يكون لها مردود اقتصادي او اجتماعي أو سياسي ، وعكس ذلك تعتبر النفقة فاشلة وغير مبررة ، وعلى اساس هذه القاعدة المالية تم اتخاذ هذا القرار ، لمعرفة مردود هذه المساعدات الخارجية على امريكا .
وفي اعتقادنا إذا كان ليس لها اي مردود سيتم إلغاؤها .
وشمل القرار تعليق المساعدات الخارجية لجميع الدول المشمولة بالمساعدات (( عدا دولتين فقط )) ، وهذا يعني ان هذه الدول التي تتلقى مساعدات تنموية أو عسكرية مثل أوكرانيا سوف تتأثر بشكل مباشر وغير مباشر بهذا التعليق ، علماً ان أمريكا تقدم مساعدات لأكثر من (150) دولة حول العالم ، والتي تعتمد على المساعدات الأمريكية في مجالات التنمية والصحة والتعليم .
والجدول الآتي يبين حجم المساعدات الأمريكية الخارجية لدول مختارة تعاني من اوضاع أمنية غير مستقرة للعام (2023) :
اسم الدولة المساعدات
( مليار دولار )
————————————
1- أوكرانيا 17 مساعدات اقتصادية
2- إسرائيل 3 مساعدات عسكرية
3- الاردن 1.7 عسكرية واقتصادية
4- مصر 1.5 عسكرية واقتصادية
5- العراق 425 مليون عسكرية واقتصادية
6- فلسطين 293 مليون (غزة والضفة)
7- السودان 567 مليون اقتصادية
ففي العام المالي (2023) ، خصصت أمريكا حوالي (68) مليار دولار للمساعدات الخارجية .
امريكا استثنت كل من مصر وإسرائيل من هذا القرار ، ذلك يعود إلى العلاقات الاستراتيجية والأمنية الوثيقة التي تربط أمريكا بهاتين الدولتين ، بالإضافة إلى ذلك ، تعتبر اتفاقية كامب ديفيد عاملاً مهماً في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة ، قد تكون هذه الاتفاقية احد اهم الاسباب وراء هذا الاستثناء .
ومن وجهة نظرنا ان تعليق المساعدات الخارجية لمدة (90) يوماً سوف لن يكون له تاثيراً كبيراً على الاقتصاد الأمريكي كون حجم المساعدات لا يشكل إلا جزءاً ضئيلاً من الموازنة الفدرالية ، و إن تأثير ذلك على معدلات البطالة والتضخم سيكون محدود جداً .
وبنفس الوقت قد يؤدي تعليق المساعدات إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية في الدول التي تعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي مثل أوكرانيا وغزة والسودان والأردن وغيرها من الدول ، وخاصة ان تعليق المساعدات قد يؤثر سلباً على القدرات العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا في مواجهة النزاع مع روسيا ، وقد يضعف موقف أوكرانيا التفاوضي ويؤثر على الجهود الدولية للوساطة ووقف الحرب ، كون أوكرانيا تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأمريكية لتعزيز دفاعاتها في مواجهة النزاع مع روسيا .
ومن بين الدول الأكثر تضرراً عدا أوكرانيا ، هو الأردن الذي يتلقى سنوياً مساعدات أمريكية كبيرة حيث بلغت حوالي (1،7) مليار دولار ، وتستخدم هذه المساعدات لدعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ، وتتلقى كل من العراق والسودان وغزة والضفة مساعدات مالية من أمريكا وكما موضح بالجدول السابق ، وتختلف قيمة هذه المساعدات حسب الاحتياجات والأوضاع السائدة في كل منطقة ، ففي العراق ومنذ عام (2014) استثمرت أمريكا حوالي (3،5) مليار دولار في المساعدات الإنسانية والتنموية لمساعدة العراق في التعافي من آثار تنظيم داعش وتحقيق اهداف التنمية طويلة الأمد .
وفي ديسمبر (2024) أعلنت أمريكا عن تخصيص (200) مليون دولار إضافية لمواجهة الأزمة الإنسانية المتفاقمة في السودان مما رفع اجمالي المساعدات الأمريكية إلى (2،3) مليار دولار .
ولم تتوفر معلومات محددة حول حجم المساعدات الأمريكية المقدمة إلى غزة ، تجدر الإشارة إلى ان المساعدات الأمريكية للفلسطينيين قد شهدت تقلبات في السنوات الأخيرة بناءً على السياسات الأمريكية المتغيرة ، علماً ان جميع هذه الأرقام قد تتغير بناءً على التطورات السياسية والاحتياجات الإنسانية ، علماً ان هذه المساعدات الخارجية تستخدمها أمريكا ايضاً كوسيلة ضغط سياسية في كثير من الاحيان .
قد يؤدي تعليق المساعدات إلى تقليص التمويل المقدم من أمريكا إلى المنظمات الدولية المختلفة وبشكل خاص ((منظمة الصحة العالمية)) مما يؤثّر على قدرتها في تنفيذ برامجها ومشاريعها الإنسانية والصحية ، هذا قد يعرقل جهود مكافحة الأمراض وتقديم المساعدات في المناطق المحتاجة .
ولا نعتقد ان يؤثر تعليق المساعدات الخارجية مباشرة على التزام أمريكا تجاه حلف النيتو .
وفي اعتقادنا ان بعض الدول المشمولة بهذا القرار ستبحث عن مصادر اخرى لمساعدتها كالصين وروسيا واوربا ، فعلى سبيل المثال خصصت اوربا مساعدات مالية للأردن تتضمن منحاً بقيمة (640) مليون يورو واستثمارات بحجم (1،4) مليار يورو ومخصصات لدعم الاقتصاد الكلي بنحو (1)مليار يورو .
وفي اعتقادنا هذا التصرف يقع ضمن الصراعات الدولية على المستوى الكلي .
وسيشتد هذا الصراع بين جميع الأطراف في حالة ان تقرر اللجنة المكلفة بإعادة النظر حول برنامج المساعدات الخارجية وإلغائه ..