معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1853

الإطاعة العمياء ( سلاح الجمود العقائدي والدمار السياسي ) ..

حجم الخط

أ. د. محمد طاقة

في عمق تاريخ البشرية ، لم يكن الإنسان مجرد تابع ، بل كان صانع المعرفة والأفكار والأنظمة التي توجه مسارات حياته .

غير ان الإيمان المطلق والطاعة العمياء لم تكن وليدة زمن محدد ، فقد وجدناها تتجذر في اعماق المجتمعات ، حينما تقدس الأيدولوجيات والأشخاص والمرجعيات الدينية والسياسية ، ليصبح الإنسان فرداً ضمن قطيع ، فاقد للوعي النقدي والعقل الإنساني .

في العالم العربي والإسلامي ، تتجلى الطاعة العمياء في شكلها الأوضح ، حيث تتحول المرجعيات الدينية إلى قوى تلهب عواطف الجماهير وتسيطر على عقولهم .

هؤلاء القادة ، سواءً كانوا رجال دين أو شيوخ عشائر أو شخصيات واحزاب سياسية ، يستغلون الإيمان الاعمى لمصالحهم الشخصية ، معتمدين على تفشي الجهل وفقدان الحس النقدي .

هذا الانصياع يؤدي إلى تهميش قيم الديمقراطية وإقصاء مبدأ الرأي والرأي الاخر .

بل يصل إلى تأليه الاشخاص والأفكار ، لتصبح هذه المرجعيات مقدسة لا تقبل النقد أو المساءلة ، مما يعمق التخلف الاجتماعي ويكرس هيمنة الطغيان .

لايمكن الحديث عن الطاعة العمياء دون الإشارة إلى التجربة الشيوعية في الاتحاد السوفييتي ، حيث الهبت الماركسية اللينينية إلى درجة اصبحت معها عقيدة لا تقبل النقاش ، تحولت الدولة إلى ساحة لتصفية المعارضين ، وانغلقت في جمود عقائدي كان احد اهم اسباب انهيارها .

فبدلاً من تحقيق المرحلة الشيوعية الموعودة ، بقي الاتحاد السوفييتي عالقاً في ( راسمالية الدولة ) ، حيث غابت الديمقراطية وسادت سلطة مطلقة لا تعترف بالتغيير والتطور ، هذا الخطأ الاستراتيجي كان القشة التي قصمت ظهر التجربة السوفيتية وادّت إلى نهايتها .

للأسف فإن العديد من الاحزاب الثورية في الوطن العربي وقعت في نفس الفخ الذي أودى بالاتحاد السوفيتي ، هذه الاحزاب ما زالت تتشبث بافكار وقواعد تعود لعقود ماضية ، متجاهلة ان العالم يتغيير بسرعة فائقة، بالفكر ، الدساتير ، الانظمة الداخلية ، أساليب العمل وحتى القيم الاجتماعية والسياسية في حالة تغيير مستمر .

غير ان هذه الاحزاب ، بدلاً من التكييف مع المتغيرات ، تواصل تقديس قياداتها وأفكارها ، مما يدفعها إلى حالة من الجمود العقائدي الذي ينذر بنهايتها .

فكل حزب أو حركة تعتقد انها تملك الحقيقة المطلقة وتفرض اوامرها دون اي اعتبار للرأي الاخر ، انما تمهد الطريق لتآكل شرعيتها وانهيارها في النهاية .

ان العالم اليوم يشهد تطورات علمية وسياسية واقتصادية مذهلة ، تتطلب مرونة فكرية وقدرة على التكيف مع المتغيرات .

ان القيادات التي تتسم بالجمود والتخلف الفكري لا تفعل سوى اعادة مجتمعاتها وأحزابها إلى الوراء ، بينما العالم يتقدم إلى الأمام بخطى متسارعة .

الطاعة العمياء ليست سوى اداة للاستبداد ، تقتل الإبداع وتحد من التقدم ، لذلك فإن تحقيق الديمقراطية الحقيقية واحترام الرأي والرأي الآخر ، يعد اساساً لاي مشروع سياسي أو فكري يسعى إلى البقاء والازدهار .

أن الطاعة العمياء ليست مجرد مشكلة فكرية أو سياسية ، بل هي ازمة حضارية تعرقل التقدم وتكرس التخلف ، تجاوز هذه الأزمة يبدأ بإعادة الاعتبار للعقل النقدي وتعزيز ثقافة الحوار والاختلاف ، وبالتأكيد على ان الأفكار والقيادات ليست مقدسة ، بل هي ادوات لخدمة الانسان والمجتمع وليس العكس ..

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *