أ. د. محمد طاقة
الإسلام الحقيقي هو الدين الذي جاء به النبي محمد (ص) ، مبنياً على القرأن الكريم وسنته الطاهرة .
هو إسلام يتجاوز التفرقة المذهبية ، فلم يكن النبي محمد (ص) سنياً ولا شيعياً ، بل كان رسول الله اميناً لهداية البشرية بأجمعها .
وبعد وفاته ، نشأت اجتهادات وتفسيرات ناتجة عن ظروف وتطورات تاريخية مختلفة ، مما أدى إلى ظهور تيارات مذهبية لم تكن موجودة في اصل الرسالة الإسلامية .
الإسلام كونه آخر الرسالات السماوية ، جاء حاملاً حلولاً شاملة للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والانسانية .
فقد قدم الإسلام منظومة من القيم والمباديء التي تهدف إلى تحقيق العدالة والمساواة ، وتساهم في معالجة مشكلات المسلمين والمجتمعات كافة .
فالاسلام يدعوا إلى الإحسان والتكافل الاجتماعي ويقدر العلم والعمل ، ويحث على الرحمة والمودة بين الناس .
ومن اهم ما يميز الإسلام انه يؤمن بجميع الرسالات السماوية السابقة ، ويعتبر الأنبياء والرسل الذين جاءوا بها كرماء وأطهار ، ويدعوا إلى احترام اهل الكتاب والتعايش معهم بسلام .
ولم يأتِ الإسلام لفئة أو عرق معين ، بل جاء للعالمين كافة .
وهو ضد العنصرية والطائفية بجميع اشكالها ، ويدعو إلى المساواة بين البشر ، حيث يقول النبي (ص) ( كلكم لآدم وآدم من تراب ) ويشبه الناس باسنان المشط ، متساوين امام الله في الانسانية والحقوق .
ركز الإسلام بشكل كبير على حقوق الانسان ، وكان سابقاً لعصره في وضع تشريعات تؤكد على كرامة الانسان وحقوقه ، فقد نصت الشريعة على حرية الافراد ، وحثت على إنهاء العبودية ، حيث شجّع القرأن الكريم والسنة على تحرير العبيد ودعم قوانين تعيد الكرامة لهم ، وشدد على العدالة والمساواة بين الناس دون تمييز .
كما جاء الإسلام برؤية شاملة لاحترام حقوق المرأة والطفولة ، إذ منح المرأة حقوقاً كانت غائبة تماماً في مجتمعات ذلك الزمان ، مثل حق الميراث وحرية الاختيار ، ودعا إلى حسن معاملة الأطفال والعناية بهم .
وحث كذلك على بر الوالدين وأوصى باكرامهما واحترامهما ، واضعاً بذلك اسساً قوية لبناء مجتمع متماسك ومترابط .
هذه المباديء والقيم الإسلامية تتماشى في جوانب كثيرة مع ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في العصر الحديث ، رغم ان الإسلام أرسى هذه الحقوق منذ اكثر من ألف واربعمائة عام ، لذا فان الإسلام الحقيقي ليس ديناً يكتفي بالطقوس ، بل هو دعوة لإنسانية كريمة وعدالة اجتماعية ، جاءت لحفظ حقوق الأفراد ومكافحة الظلم .
إلا ان بعض المؤسسات والجماعات التي تدعي احتكار فهم الدين ( ومنهم علماء الدين) ، شوهت هذه القيم من خلال فرض رؤى متطرفة ومنغلقة ، لا تعكس روح الإسلام النقية ، فقد تركزت جهود هؤلاء على الجوانب الظاهرية والشكلية ، بعيداً عن جوهر رسالة الإسلام في العدالة والمساواة ، مما أسهم في خلق صورة مشوهة للدين كأنه دين يقيد الإنسان بدلاً من ان يحرره .
ومن المعلوم ، ان في الإسلام الحقيقي لم يكن هناك ما يعرف بوظيفة ( عالم دين ) كمهنة منفصلة أو مؤسسة دينية تمنح سلطة خاصة لأشخاص دون غيرهم في تفسير النصوص وفرض رؤيتهم ، فالإسلام جاء للبشرية كلها وفتح أبواب المعرفة للجميع مؤكداً على مبدأ ان ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ) دون احتكار لفئة أو طبقة معينة .
مع مرور الزمن ظهرت ما يعرف بمؤسسات و (علماء دين ) التي ساهمت بشكل كبير في تشكيل فهم الناس للإسلام ، ولكن بعضها انحرف عن جوهر الإسلام الحقيقي وتسبب في تحريف قيمه النقية .
غير ان هناك جهات ، من أبرزها الصهيونية العالمية وبعض الأطراف المعادية للإسلام ، كجزء من مشروع طويل لتشويه الإسلام وإظهاره كدين عنف وتطرف ، وقد أستخدموا وسائل الإعلام والتمويل لتأسيس احزاب وجماعات تسعى لتشويه صورة الإسلام مثل ( حزب الدعوة ) المدعوم من ايران بل هو تابع لايران و ( الاخوان المسلمين ) الذين قدما صورة مشوهة للإسلام ، بتركيزها على التطرف وتكفير الآخرين .
هذه الجماعات خلقت تصوراً مشوهاً عن الإسلام كدين ارهاب بدلا من دين سلام ومودة ، مما أدى إلى تغيير نظرة العالم ، وخاصة الشعوب الغربية في اوربا وأمريكا تجاه الاسلام والمسلمين واعتبارهم تهديداً امنياً .
وقد ساهم الإعلام الغربي في تعزيز هذه الصورة السلبية ، مما أدى إلى عداء غير مسبوق تجاه المسلمين .
ويضاف إلى ذلك ما يشهده العالم اليوم من مظاهر الدمار والتهجير القسري في الدول العربية والإسلامية ، مثل فلسطين والعراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا ، في ظل صمت عالمي .
هذا التواطؤ الدولي يظهر في موقف اغلب الحكومات الغربية ، باستثناء بعض الأصوات الشريفة التي تدرك حقيقة الأمور وتدعو إلى العدالة .
نحن نعيش اليوم مرحلة خطيرة ، حيث تسيطر الصهيونية العالمية والولايات المتحدة الأمريكية على مقدرات العالم ، وتسعى للقضاء على العروبة والإسلام ، ومحاولة محو تاريخ وهوية هذه الامة .
ان الوضع يستدعي استيقاظ العرب والمسلمين من سباتهم والعمل على توحيد صفوفهم قبل فوات الأوان ، فالتحديات الحالية هي جرس إنذار لمرحلة صعبة ، إلا أن الامل لا يزال موجوداً بان ياتي اليوم الذي يتحد فيه العرب ويواجهون هذه المخاطر بشجاعة وحكمة ..