كتب صبيح فاخر
في كل عام تشهد كربلاء المقدسة ولمناسبة اربعينية الإمام الحسين عليه السلام تجمعا إنسانيا عالميا غير مألوف في كل التجمعات البشرية التي تحدث هنا او هناك حول العالم .. ولعل ما يميز هذا التجمع انه يعكس قيم ومبادئ إنسانية غاية من السمو والرقي وتذوب من خلالها كل القيود والفوارق الطبقية التي تحول دون تقارب الشعوب على اختلاف توجهاتهم وتتحقق من خلاله وبشكل تلقائي وعفوي ودون اي تدخل مهما كان نوعه علاقات إنسانية خالية من المصالح والغايات والمكاسب التي تسعى العديد من الدول اثناء عقد لقاءات او اجتماعات وعقد اتفاقيات متبادلة الى تحقيقها وفق ما تقتضيه مصالحها .
كربلاء المقدسة .. التي يحج اليها الملايين من الناس وفي مناسبات عديدة وعلى مدار السنة ربما لا يتصور البعض ان مثل هذه الحشود المليونية ان تتسع لاحتضانها مدينة صغيرة بحجم كربلاء وكيف يتم إطعام او إقامة مثل هذه التجمعات الكبيرة بل والاهم من كل هذا هو كيف يتم تأمين الحماية الامنية لهم .. وهنا لابد ان نقول ولربما يشاركني القارئ الكريم الاعتقاد ان أمن هذه الملايين يأتي تلقائيا من الشعور بالمسؤولية الفردية لكل زائر يحضر الى كربلاء وهذا الشعور يعزز الإجراءات الأمنية التي تقوم بها الجهات المختصة بذلك وهي اجراءات قد تكون في بعض الاحيان غير منظورة ولا تضع قيودا على حركة الزائرين ..وهذا بأعتقادي امرا مهما عندما يتوفر الأمن لملايين الناس ومن مختلف الجنسيات وعلى امتداد مساحة العراق وصولا الى كربلاء ..
نقل لنا اصدقاء كثر حضروا اولمبياد باريس مؤخرا ان اجراءات أمنية مشددة فرضت هناك على الرغم من كونه تجمع رياضي عالمي جاءوا بدعوات رسمية وتأشيرات دخول وتذاكر سفر وكانت تلك الاجراءات على اهميتها كونها من مسؤولية الدولة المضيفة لحماية ضيوفها قد افرغت باريس من طابعها السياحي وتقدمها العمراني والحضاري بنظر الضيوف ..
الا ان هذا التجمع الرياضي لم يكن ليشكل اي نسبة مقارنة مع ضيوف كربلاء من الملايين الذين لم توجه لهم اي دعوات سوى ايمانهم المطلق لاحياء شعيرة ايمانية اثبتت الوقائع انها لم تقتصر على الشيعة او المسلمين فقط انما من اديان ومذاهب وطوائف متعددة ايمانا منها برسالة الحق والعدل السمحاء التي حمل لواءها الامام الحسين عليه السلام واستشهد من اجلها .
وهنا لابد من القول ومن خلال ما اثبتته الوقائع ان كربلاء اصبحت دولة الانسانية التي تتعزز من خلالها وشائج الوحدة الوطنية بل والانسانية والامام الحسين عليه السلام اصبح منارة وهوية انسانية غاية من السمو والرفعة كونه دافع عن مبادئ وقيم ورسالة يتوحد من خلالها دعاة الحق والمحبة والتآلف وانصار السلام من كل أرجاء المعمورة .. وفي كربلاء تسمو قيم الالفة والكبرياء ويتجلى واضحا وكأن جميع من في كربلاء لاحياء الزيارة الاربعينية هم من طيف واحد على الرغم من التنوع البشري .
وحسنا فعلت الحكومة المحلية في كربلاء المقدسة وفي مقدمتهم محافظها المهندس نصيف الخطابي وعتبتيها المقدستين الحسينية والعباسية الذين جعلوا لكربلاء اهمية بالغة من حيث العمران والبناء لضيافة وايواء زوارها من الملايين على مدار السنين وهذا هو واجب الضيافة .