أ. د. محمد طاقة
تعاني الشعوب الكثير من العقد الأجتماعية والنفسية ، وبالاخص الشعوب العربية وعلى وجه التحديد الشعب العراقي .
تختلف نسبة هذه العقد بين الأفراد والشعوب حسب تطورهم الاجتماعي والاقتصادي ، تظهر هذه العقد بشكل واضح وتؤثر سلباً على حياة الفرد والمجتمع على حد سواء .
وكما جاء في رأي الدكتور علي الوردي حول الشخصية بوجه عام وكما حللها ووصفها بأنها ( صنيعة الثقافة الاجتماعية وصورة مصغرة لها في الغالب ، فالفرد لا يكاد يفتح عينيه على الحياة حتى يجد الثقافة الاجتماعية قد ضربت نطاقها عليه وشملته بقيمها ومركباتها وطابعها العام ، فهو إذن سينشأ وتتبلور شخصيته في حدود القالب الذي صنّعته الثقافة الاجتماعية له ) .
العقد الاجتماعية هي مشكلات نفسية واجتماعية تنشأ نتيجة تجارب سلبية أو ظروف قاسية يمر بها الفرد خلال حياته .
هناك نوعان من العقد ، البسيطة والمركبة ، العقد البسيطة قد يكون تأثيرها محدود على العلاقات الإنسانية ، بينما العقد المركبة ، حيث يمتلك الفرد اكثر من عقدة ، ويكون تأثيرها واسعاً وسلبياً جداً على المجتمع .
العقد البسيطة مثل الخوف من الفشل أو عدم الثقة بالنفس. هذه العقد يمكن التعامل معها وعلاجها بسهولة .
أما العقد المركبة فهي تجمع عدة عقد في شخص واحد ، مما يزيد من تعقيد الحالة النفسية والاجتماعية للفرد ، ويجعل تأثيرها السلبي كبيراً على المجتمع ككل .
يعاني المجتمع العراقي من مشكلة العقد المركبة بنسبة عالية ، فالفرد العراقي يعاني من عقدة المال وعقدة الشهادة العلمية والجاه والجنس والسلطة وغيرها من العقد .
عندما يمتلك الفرد أكثر من عقدة ، يكون تأثيره السلبي على الآخرين والمجتمع كبيراً جداً ويعيق تطوره .
تؤثر العقد الاجتماعية بشكل مباشر وغير مباشر على التنمية والتطور والابتكار وحركة المجتمع ككل .
تعيق هذه العقد العلاقات الاجتماعية والانسانية ، وتؤدي إلى سلوكيات يومية سلبية ومشاكل اجتماعية خاصة عندما يكون الشخص في موقع قيادي مهم ، فالقائد يعكس عقده المركبة على ابناء شعبه ومرؤوسيه ، مما يزيد من حدة المشاكل الاجتماعية .
فعند اختيار شخصية لتتبوأ موقع المسؤولية ، يجب ان تكون خالية قدر المستطاع من العقد الاجتماعية المذكورة .
القائد او المسؤول الخالي من العقد يؤثر بشكل ايجابي على المجتمع ويعزز من تطوره واستقراره والعكس صحيح .
تراكمت هذه العقد وظهرت بشكل واضح بعد غزو العراق واحتلاله عام (٢٠٠٣) بدأت هذه العقد المتراكمة منذ سنين بلعب دور سلبي خطير من خلال تعميق الطائفية ، والاثنية ، والكراهيه ، والأخذ بالثأر ، التفرقة العنصرية ، السرقة ، الفساد بكل اشكاله ، القتل ، حيث ادى ذلك إلى ان تطفوا هذه العقد على السطح وتدمر كل شيء وهذا ما يعانيه الشعب العراقي اليوم .
يعتبر الجانب الاقتصادي عاملاً محورياً في تعميق العقد الاجتماعية والنفسية في اي مجتمع ، في السياق العراقي تظهر هذه التأثيرات بشكل بارز نتيجة لعدة عوامل اقتصادية متداخلة :
⁃ البطالة وانعدام الدخل ، حيث تؤدي البطالة إلى شعور الفرد بعدم الاستقرار وانعدام الامان المالي ، مما يزيد من الضغوط النفسية والعصبية ، والبطالة تؤدي الى انعدام الدخل ، مما يفاقم مشكلة الفقر ويجعل الأفراد غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الاساسية ، مما يعزز مشاعر الإحباط واليأس .
⁃ وجود طغمة حاكمة تضطهد الشعب ، مما يؤدي إلى الإحساس بالظلم والقهر ، فوجود طغمة حاكمة مستبدة تزيد من مشاعر الظلم والقهر لدى الشعب ، مما يعمق العقد الاجتماعية ويجعلها أكثر خطورة وتعقيداً .
⁃ تدهور التعليم والصحة ، يؤدي الفقر والجهل إلى تدهور قطاعي التعليم والصحة مما يزيد من نسبة الجهل ويقلل من فرص الحصول على رعاية صحية جيدة ، مما يعمق العقد الاجتماعية .
كل هذه العوامل الاقتصادية والاجتماعية تؤدي إلى دورة مفرغة من الفقر والجهل والعقد الاجتماعية ، مما يسهم في تدمير النسيج الاجتماعي وتدهور الوضع العام للمجتمع ، وهذا كله يؤدي إلى تراجع التنمية والابتكار بسبب العقد الاجتماعية والتي تؤدي إلى تفكيك العلاقات الانسانية وزيادة النزاعات الاجتماعية مما يضعف تماسك المجتمع .
للحد من تأثير الجانب الاقتصادي السلبي على تعميق العقد الأجتماعية المركبة التي تعتبر من اكبر التحديات التي تواجه المجتمع العراقي ، يجب علينا تبني سياسات اقتصادية عادلة وفعالة تعمل على تقليل البطالة والفقر وتعزيز التعليم والصحة العامة ومحاربة الفساد وتوفير بيئة سياسية تضمن العدالة والمساواة ، من خلال هذه الجهود المتكاملة ، يمكن تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والنفسيه للمجتمع ، مما يساعد في تقليل العقد الاجتماعية والنهوض بالمجتمع ككل من خلال اختيار قادة ومسؤولين خالين من هذه العقد حتى نتمكن من بناء مجتمع متماسك ومزدهر ..