أ. د. محمد طاقة
بعد غزو العراق واحتلاله عام ( ٢٠٠٣) ، كنا نتابع التلفاز بشكل مستمر ، والذي لفت انتباهنا آنذاك هو وجود مجموعة من الابواق والمرتزقة يرددون وبشكل لافت ، الهجوم على النظام الوطني من اجل تشويه سمعته من خلال مسألتين ، ألا وهي ( المقابر الجماعية والنظام الشمولي ) ، وكأن النظام الشمولي نظاماً سلبياً فقط ، وكنت اعلم تماماً ان هؤلاء الابواق والمرتزقة لا يعرفون شيئاً عن النظام الشمولي وما هي ايجابياته وسلبياته ، ووجدنا من الواجب ان نعرج لنوضح هذا المفهوم الذي لازالت الراسمالية العالمية تقف بالضد منه .
النظام الشمولي ، هو نظام حكم يتميز بالسيطرة الكاملة للدولة على جميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، في هذا النظام تتمركز السلطة بيد حزب واحد أو قائد واحد ، وتقيد فيه الحريات ويتم مراقبة وسائل الاعلام ، فهو نظام شديد الانضباط .
ومن ايجابيات هذا النظام ، توفير خدمات تعليمية وصحية مجانية للجميع مما يعزز من مستوى الرفاهية العامة ، وفي هذا النظام يتحقق مستوى عالٍ من الاستقرار الامني من خلال السيطرة الكاملة على القوات الامنية والقوانين الصارمة ، وتقوم الدولة بتوفير السكن والخدمات العامة بشكل يضمن تلبية احتياجات جميع المواطنين ، ويتم في ظل هذا النظام تنفيذ خطط قومية كبيرة لبناء البنية التحية وتحقيق الاستقلال الاقتصادي بشكل اكثر فعالية .
ان بعض النقاد لديهم بعض المآخذ على النظام الشمولي كونه ينتهك حقوق الانسان ويضع رقابة صارمة على وسائل الاعلام وان الاقتصاد المركزي المخطط يؤدي الى انخفاض الكفاءة الاقتصادية .
تحارب الراسمالية النظام الشمولي لانه يتعارض مع مباديء الحرية الاقتصادية والسوق الحرة ، فالرأسمالية تعتمد على المنافسة الحرة وتحقيق الارباح ، كما ان النظام الرأسمالي يمارس نوعاً من الدكتاتورية الاقتصادية ، حيث يهدف الى تحقيق اعلى معدلات من الارباح وتراكم الثروة على حساب الانسان وحقوق الشعوب ، ان الراسمالية تؤدي الى تركيز الثروة في ايدي القلة واستغلال العمال والموارد بشكل مفرط .
ان النظام الراسمالي هو نظام شمولي ايضاً ، ومن المعروف لدى الجميع ان الراسمالية تمارس الديمقراطية وحقوق الانسان كشعارات لجذب الدعم الشعبي ، لكنها في الواقع تعمل على تعزيز مصالح الشركات الكبرى والنخب الاقتصادية .
هذه الديمقراطية المزيفة قد تؤدي الى تهميش الفئات الضعيفة وتفاقم الفجوة الاقتصادية والاجتماعية ، كما ان العولمة التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية تعتبر من قبل البعض عبارة عن تكييف فكري لغرض الهيمنة الاقتصادية والثقافية على الدول الاخرى ، هذه العولمة قد تؤدي ألى تهميش الثقافات المحلية وتعزيز المصالح الامريكية على حساب السيادة الوطنية والقومية للدول الاخرى .
فبعد ان اعطينا صورة عن النظام الشمولي والنظام الراسمالي ، سنترك الامر للقاريء ان يختار بين نظاماً يوفر له الحياة الكريمة والمستلزمات الضرورية كالتعليم والصحة والسكن والامن والاستقرار والتقدم على نظام ديمقراطي مزيف كما الحال في العراق وبقية الدول الاخرى ، تظهر كيف يمكن ان تؤدي الديموقراطية غير المستقرة الى الفوضى وانعدام الامن ونهب الثروات واشاعة الفساد .
اننا نرى ان للنظام الشمولي فوائد تفوق النظام الراسمالي الذي نراه يمارس نوعاً من العبودية المعاصرة ويسرق موارد الشعوب .
ان النظام الشمولي يوفر مستوى من الحياة الكريمة والاستقرار الذي يعجز النظام الراسمالي تحقيقه .
بالاضافة الى ما تقدم اننا نجد من وجود خلاف بين النظام الشمولي في الشيوعية والنظام الشمولي في الدول الاشتراكية التي تؤمن بالدور الفعال للقطاع الخاص ، كما موجود وطبق بتجربة حزب البعث ابان حكمه للعراق ، ان النظام الشيوعي يعتمد على النظرية الماركسية اللينينية التي تسعى الى الغاء الملكية الخاصة لوسائل الانتاج ، وانشاء مجتمع خالي من الطبقات حيث تكون وسائل الانتاج مملوكة ومدارة جماعيا من قبل الدول .
اما بالنسبة للنظام الشمولي في الدول الاشتراكية ذات الدور الفعال للقطاع الخاص ( تجربة حزب البعث في العراق كمثال) .
ان فكر البعث الذي حكم العراق لفترات طويلة يمزج بين الاشتراكية والقومية العربية وهو بنفس الوقت يتبنى جوانب من الاشتراكية مثل توزيع الثروة والعدالة الاجتماعية ، الا انه يختلف عن الشيوعية في قبوله للدور الفعال للقطاع الخاص ، فالبعث يسمح بوجود القطاع الخاص بجانب القطاع العام .
ان الاختلاف الرئيسي يكمن في كيفية ادارة الاقتصاد وتوزيع الملكية بين الدولة والقطاع الخاص ، بينما النظام الشيوعي الشمولي يلغي القطاع الخاص بالكامل لصالح الملكية العامة ، في حين ان الانظمة الاشتراكية الشمولية تسمح بمشاركة القطاع الخاص الى جانب القطاع العام لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية ..