معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1853

صراع الانظمة الاقتصادية

حجم الخط

أ. د. محمد طاقة

هنالك نظامين رئيسيين يستمران في التأثير على النقاشات والسياسات الاقتصادية حول العالم ، بالاضافة الى وجود مدارس فرعية اخرى ، ولكل مدرسة وجهة نظر مختلفة حول كيفية فهم الاقتصاد وتوجيه السياسات الاقتصادية ، ومن هذه المدارس ، المدرسة الكنزية والكلاسيكية الجديدة والمدرسة النقدية والمدرسة الماركسية وغيرها .

أما بالنسبة للفكر الاقتصادي الرأسمالي والفكر الاقتصادي الاشتراكي ، فهما يمثلان نظامين اقتصاديين مختلفين تماماً في كيفية تنظيم وادارة الاقتصاد والمجتمع ، ويتمثل الخلاف بينهما في عدة جوانب ، اهمها الموقف من الملكية ، فالمنظومة الاقتصادية الراسمالية تؤمن بالملكية الخاصة وتتيح للافراد والشركات امتلاك وسائل الانتاج ( مثل المصانع والارض والمواد الطبيعية بشكل خاص ) ، وبنفس الوقت تركز على اهمية الافعال الفردية في التحليل الاقتصادي ، وتعارض الراسمالية بشدة التدخل الحكومي في الاقتصاد لانه يسبب تشوهات في السوق . والراسمالية تفضل الاسواق الحرة ورفض اي شكل من اشكال التخطيط المركزي ، والنظام الرأسمالي يركز على اهمية زيادة الاعمال

والمخاطر الفردية . ويعتبر الربح هو المحرك الاساسي للنشاط الاقتصادي ، حيث يسعى الافراد والشركات لتحقيق الأرباح من خلال

تقديم السلع والخدمات في السوق ، والاسواق التنافسية هي الوسيلة الأساسية لتحديد الاسعار والاجور وتخصيص الموارد ، وتعتمد الراسمالية على الاسواق الحرة لتحديد الاسعار وتوزيع الموارد ، حيث تتفاعل قوى العرض والطلب بدون تدخل حكومي كبير ، حيث يكون دور الحكومة في الراسمالية محدوداً ويقتصر على تنظيم الاسواق ومنع الاحتكار وحماية حقوق

الملكية ، والنظام الراسمالي يركز على تحقيق النمو الاقتصادي وزيادة الانتاجية عن طريق الابتكار والتنافس ، وكل ذلك يحدث من خلال آليات السوق الحرة . ومن الانتقادات التي توجه الى الراسمالية الفوارق الكبيرة في الثروة والدخل بين الافراد ويمكن ان تؤدي الدورات الاقتصادية والتقلبات السوقية الى فترات من عدم الاستقرار الاقتصادي وحدوث البطالة ، وان النظام الراسمالي لا يؤمن بوجود خبز على الارض للجميع .

بينما الفكر الاشتراكي يؤمن بالملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج وتعتمد الاشتراكية على التخطيط المركزي لتخصيص الموارد واتخاذ القرارات الاقتصادية بدلاً من الاعتماد على الاسواق الحرة .

تلعب الحكومة دوراً كبيراً في الآقتصاد الاشتراكي حيث تتحكم في وسائل الانتاج وتوزيع الثروات . لان النظام الاشتراكي يهدف الى تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل الفوارق الاقتصادية بين الافراد .

ويضمن النظام الاشتراكي توفير الاحتياجات

الاساسية لجميع افراد المجتمع من خلال توفير التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية ، وتعزز الاشتراكية من التضامن الاجتماعي والمساواة في توزيع الثروات والفرص . يدعو الفكر الاشتراكي الى تغيير جذري في هيكل المجتمع الاقتصادي والسياسي ، والفكر الاشتراكي يؤمن بوجود خبز للجميع على الارض اذا تم استغلال الموارد وتوزيعها بشكل متساوي وعادل على عكس نظرية مالثوس للسكان التي يتبناها النظام الراسمالي .

اما بالنسبة للمدرسة الكنزية ، تاسست هذه المدرسة على يد الاقتصادي البريطاني

( جون مانيارد كينز ) خلال فترة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين، ترى المدرسة الكنزية ان الاسواق لا تتمتع بالكفاءة الذاتية لتحقيق التوازن الكامل بشكل دائم ، وان هناك دوراً حيوياً للحكومة في توجيه الاقتصاد لتحقيق الاستقرار والنمو

وتركز الكنزية على استخدام السياسات المالية( الانفاق الحكومي والضرائب ) والسياسات النقدية ( التحكم في عرض النقود ) لتحفيز الطلب الكلي في الاقتصاد .

فالمدرسة الكنزية تدعم دوراً نشطاً للحكومة في الاقتصاد .

اما بالنسبة للمدرسة الكلاسيكية الجديدة ( النيو كلاسيكية ) نشأت هذه المدرسة في اواخر القرن التاسع عشر وتطورت بشكل كبير خلال القرن العشرين وتستند هذه المدرسة الى فكرة ان الاسواق تتمتع بالكفاءة الذاتية وان الافراد يتصرفون بشكل عقلاني لتعظيم منافعهم ، وتؤمن هذه المدرسة بأن التدخل الحكومي يجب ان يكون محدوداً وان دور الحكومة الاساسي

هو ضمان بيئة تنافسية مستقرة . ومن اهم

المباديء الرئيسية للمدرسة الكلاسيكية الجديدة ، هي ان الاسواق قادرة على تحقيق

التوازن الذاتي من خلال قوى العرض والطلب . وان الافراد قادرون على اتخاذ قرارات اقتصادية عقلانية بناءً على المعلومات المتاحة لديهم . ويجب ان يكون تدخل الحكومة محدوداً ويقتصر على تنظيم السوق ومنع الاحتكار .

وبالاضافة الى هاتين المدرستين هناك العديد من المدارس الفرعية التي تساهم في النقاشات الاقتصادية وتوجيه السياسات ومن ابرز هذه المدارس هي المدرسة النقدية والتي تركز على اهمية التحكم في عرض النقود والسياسات النقدية لضمان استقرار الاسعار والنمو الاقتصادي ، وهنالك المدرسة المؤسسية وهذه المدرسة تركز على اهمية المؤسسات والقوانين في توجيه النشاط الاقتصادي. اما بالنسبة للمدرسة السلوكية وهي تعني بدراسة التأثيرات النفسية والاجتماعية على السلوك الاقتصادي للافراد، وهنالك المدرسة الماركسية والتي تركز على افكار ماركس وتنتقد النظام الراسمالي وتبحث في تأثير الصراع الطبقي على التطورات الاقتصادية و الاجتماعية .

تستمر المدرستين الكنزية والكلاسيكية الجديدة في التأثير بشكل كبير على النقاشات والسياسات الاقتصادية حول العالم ، لكل مدرسة منهجها الخاص في فهم الاقتصاد وتوجيه السياسات الاقتصادية .

فالصراع القائم اليوم من حولنا هو صراعاً فكرياً بالدرجة الاساس ، صراعاً بين بين مدرستين فكريتين ، بين امريكا ومنظومتها الراسمالية ، والصين ومنظومتها ذات التوجهات الاشتراكية ، ولكل مجموعة اهدافها الاقتصادية والسياسية ، هذا اذا علمنا ان القرارات السياسية اساسها اقتصادي كون السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة ، فالصراع اليوم بين القوى العظمى من اجل تحقيق مصالح طرف على حساب الطرف الآخر فالصراع اليوم عبارة عن صراع اقتصادي تجاري فكري ، وبسبب التطورات التكنولوجية بدأ يأخذ منحاً آخر خاصة بعد التطورات التي حدثت مؤخراً على الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي و طرفي الصراع يسعيان ويتنافسان على الاستحواذ على هذه التقنيات من اجل السيطرة على العالم بأسره .

أما بالنسبة لدول العالم الثالث والدول العربية بالذات والعراق بشكل خاص ، فجميعهم في مؤخرة الدول بالنسبة لما يحدث من تطورات هائلة تكنولوجيًا ، وهي بنفس الوقت لا تمتلك المؤهلات الكافية لمواكبة هذا التطور ، وهي لا تزال تحبوا في تحقيق تنميتها المستدامة ، وهي لا زالت تابعة بكل قراراتها للقوى العظمى ، فهي دول ضعيفة جداً ولن تتمكن من استغلال

ما تمتلكه من موارد مادية وبشرية كبيرة جداً ، وهي لازالت تعيش على الهامش وتدور في فلك المدرستين الفكريتين ولن تحدد موقفها الخاص بها والطريق الذي تسلكه .

هكذا هو حال الاقتصاد العالمي مرهون تماماً بيد المنظومة الرأسمالية والصهيونية العالمية والماسونية ، فهم يمتلكون كل شيء ، يمتلكون صناعة الاسلحة والادوية والطائرات الحربية وغير الحربية ويهيمنون على البنوك المركزية والمصارف العملاقة في اوربا والعالم ، ويتحكمون بعملات الدول الاخرى ، ويمتلكون المياه وطرق المواصلات وصناعة السيارات والقطارات والان يمتلكون ناصية العلم والتقنية المتطورة جداً وبالاخص الذكاء الاصطناعي ، والاهم من كل ذلك يمتلكون وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي ، فعن اي تنمية نتحدث في بلداننا وعن اي استقلال كامل نتحدث ، وشعوبنا تعيش في ظلام دامس ، وشعوبنا عقولهم متخلفة ومتشبعة بالطائفية والاثنية ونقتل بعضنا البعض ولاسباب تافهة فنحن نعيش وشعوب العالم مرحلة العبودية المعاصرة .

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *