معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1853

دكتاتورية راس المال (( هيمنة الأوليغارشية المالية على العالم )) 

حجم الخط

أ. د. محمد طاقة

 

تعيش البشرية اليوم مرحلة حرجة من تاريخها ، حيث لم تعد الأنظمة السياسية أو المؤسسات الدولية تشكل الفاعل الرئيس في توجيه مسارات العالم ، بل أضحت قوى المال الكبرى ، المتمثلة في أقلية اوليغارشية هي المتحكم الفعلي بمصير الشعوب والدول .

هذه القوى تمتلك راس المال والإعلام والقوى العسكرية ، وتمارس هيمنة ناعمة وخشنة في آن واحد ، تجعل من حديث الديمقراطية وحقوق الانسان مجرد شعارات زائفة، لقد دخلنا فعلياً بما يمكن تسميته (( دكتاتورية راس المال )) .

النظام العالمي المالي يخضع بشكل مباشر أو غير مباشر لهيمنة المنظومة الرأسمالية ، التي تسيطر على البنية الفوقية للنظام الدولي من خلال مؤسسات كبرى يفترض انها اممية مثل

(( مجلس الامن ، صندوق النقد الدولي IMF، والبنك الدولي world Bank، ومنظمة التجارة العالمية WTO ، ونظام البنوك المركزية العالمية ، وعلى رأسها البنك الفيدرالي الأمريكي )) .

وقد اصبحت هذه المؤسسات في واقع الأمر ، ادوات لخدمة النظام النيو ليبرالي القائم على حرية السوق المطلقة ، وتحقيق مصالح النخبة المالية على حساب الدول الفقيرة وشعوب عالم الجنوب .

ومن ابرز ما يمثل دكتاتورية راس المال، العائلات المالية الكبرى وأشهرها عائلة روتشيلد ذات النفوذ التاريخي في اوربا والولايات المتحدة ، وتملك اذرعاً مصرفية وإعلامية ، وعائلة روكفلر التي لعبت دوراً محورياً في صناعة النفط والبنوك ، ومراكز الأبحاث التي توجه السياسات العالمية مثل (( مؤسسة روكفلر ومجلس العلاقات الخارجية CFR)) .

هؤلاء لا يتحكمون في المال فقط ، بل يملكون اكبر شركات الادوية في العالم مثل (( جونسون اند جونسون ، فايزر وشركات الأسلحة مثل شركة لوكهيد مارتن وشركة بوينك ورايكونن وشركات الاعلام الكبرى مثل شركة سي أن أن وفوكس ورويترز وامتداداتهم العالمية)) .

ومن اخطر ادوات هذه المنظومة ، الشركات متعددة الجنسيات التي تتمتع بحجم اقتصادي يفوق ميزانيات الدول ، ومن أبرزها شركات ادارة الأصول والتمويل وأكبرها عالمياً شركة بلاك روك تتحكم بأصول تتجاوز ال 20 ترليون دولار ، وتمتلك حصصاً في كبرى شركات فانغارد كروب وكوكل وشركات الدواء والسلاح وأبل وفيس بوك وعلى احد اذرع السيطرة المالية ستيت ستريت المؤثرة في السوق العالمي . هذه الشركات تستثمر في جميع القطاعات الحساسة عالمياً ، مما يمنحها قدرة هائلة على التأثير في السياسات والقرارات السيادية للدول .

اما بالنسبة للشركات الدوائية الكبرى والمتمثلة بشركة فايزر وجونسون اند جونسون موديرنا ، تتحكم هذه الشركات في انتاج وتسعير الدواء عالمياً وتمارس احتكاراً غير مباشر لصحة الشعوب ، خصوصاً في الدول الفقيرة التي لاتملك القدرة على الوصول إلى الادوية الحيوية .

بالإضافة إلى ذلك فهناك ثلاث أو اربعة شركات لصناعة الأسلحة وهي لوكهيد مارتن وهي الاولى عالمياً وشركة رايكون تكنولوجي ونورث روب جيرمان وجنرال ديناميك وشركة بريطانية من الأكبر عالمياً BAE system هذه الشركات لا تكتفي بإنتاج السلاح ، بل تضغط على صناع القرار في الغرب لاشعال الحروب والنزاعات لتصريف مخزونها وزيادة ارباحها ، وهو ما يعزز هيمنة المجتمع الصناعي العسكري .

وكما هو معروف يمثل النفط والغاز احد ابرز ادوات السيطرة الجيوسياسية ومن ابرز التكتلات ( أوبك بلس ) بقيادة السعودية وروسيا لكنها تخضع غالباً للضغوط الأمريكية

ومن اهم شركات النفط الكبرى شركة شيفرون وشيل و BP وشركة توتال ، تهيمن هذه الشركات على استخراج وتكرير وتصدير الطاقة ولها دور أساسي في رسم خريطة النفوذ العالمي ، واشعال الصراعات كما حدث في العراق وليبيا .

يشكل الدولار الأمريكي اداة استعمار مالي معاصر ، فمن خلال سيطرة البنك الفدرالي الأمريكي (( الذي تمتلكه جهات خاصة وليست الدولة )) وفرض التعامل بالدولار في تجارة النفط (( نظام البترو دولار )) تتمكن امريكا من فرض عقوبات اقتصادية على أي دولة تخالف مصالحها أو تعارض سياساتها ، كما يتم التحكم باسواق المال عبر ادوات مثل (( سويفت SWIFT )) و ول ستريت ، وهو ما جعل النظام المالي العالمي رهينة لسياسة واشنطن وبشكل غير ديمقراطي .

لا تكتمل دكتاتورية راس المال دون السيطرة على الإعلام حيث تستخدم النخبة المالية ادوات الإعلام الضخمة لغسل العقول وتوجيه الرأي العام بما يخدم مصالحها ومن ابرز المؤسسات الإعلامية هي : (( Reuters , Bloom berg , CNN, FOX News , BBC

بالإضافة إلى تكنولوجيا التواصل مثل (( تويتر ، وكوكل ، وميتا )) هذه الوسائل تمارس التلاعب بالمعلومات وتشطين الخصوم السياسيين ، وتخفي الحقائق، وتعيد انتاج سرديات زائفة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان .

النظام العالمي القائم ليس سوى واجهة زائفة

تخفي خلفها دكتاتورية المال . نخبة مالية صغيرة ، تتحكم بالاقتصاد ، والإعلام ، والصحة ، والسلاح ، والطاقة ، تُعيد تشكيل العالم بما يخدم مصالحها الضيقة ، وهذه ليست مبالغة أو نظرية مؤامرة ، بل حقيقة يمكن تتبعها عبر الشركات المالكة لأصول العالم ، وآليات الهيمنة الإعلامية والمالية والعسكرية ، لذا فان التحدي الأكبر الذي يواجه البشرية اليوم ، ليس مجرد الفقر أو الحروب ، بل تفكيك نظام (( دكتاتورية راس المال )) وانهاء العبودية المعاصرة التي تفرضها الشركات الاحتكارية العابرة للقارات ، و مجيء نظام على انقاض نظام دكتاتورية راس المال يكون للشعوب الدور الحاسم لتحقيق العدالة الاجتماعية ، ومن هنا يمكننا ان نتخيل ان دكتاتورية الشعوب قد تنشأ على أنقاظ دكتاتورية راس المال ، ونقصد بدكتاتورية الشعوب هو تحرر الأغلبية من الاستعباد المالي والإعلامي والعسكري ، وبناء نظام عالمي عادل قائم على المساواة الاقتصادية والسيادة الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية .

(( ملاحظة : مزيداً من التفاصيل تجدونها في كتابي الموسوم الأوليغارشية والعبودية المعاصرة عن دار آمنة للنشر والتوزيع . عمان 2024 ))

 

عمان

في 4/7/2025

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *