الكاتب نبيل بوزيد
في عالم السياسة، لا تُروى كل الحكايات على الشاشات. فخلف المظاهر اللامعة والخطابات المنمقة، تدور صراعات وتحالفات في الكواليس، لا يرى المواطن منها إلا نتائجها، وغالبًا بعد فوات الأوان.
في العالم العربي: سلطة فوق السياسة
في أغلب الأنظمة العربية، ما زالت السلطة تُدار بعقلية فردية أو حزبية مغلقة، حيث تغيب الشفافية، وتُقصى المعارضة، ويُختزل الوطن في شخص أو فئة. تُعقد التحالفات في الظلام، وتُمارس السياسة كأداة للهيمنة، لا كوسيلة لخدمة المواطن. في هذا المناخ، يُهمَّش الشعب، ويُغيَّب الوعي، وتُصادر إرادة التغيير، ما يضعف الثقة ويعطل التنمية.
في الغرب: مؤسسات تحكم اللعبة
أما في كثير من الدول الغربية، فرغم وجود صفقات خفية وكواليس لا تقل تعقيدًا، فإن وجود مؤسسات مستقلة، وصحافة حرة، وقضاء فعّال، يضع حدودًا لسلطة الحاكم. الجمهور هناك لا يُمنح دور المتفرج، بل يمارس الرقابة والمحاسبة من خلال صناديق الاقتراع، والإعلام، والقانون.
وعي الشعوب… الفاصل الحقيقي
ليست المسألة مرتبطة بالنظم فقط، بل بالشعوب. حين يرتفع الوعي، تضيق مساحة التلاعب، وتصبح السلطة خادمة لا متسلطة. أما حين يُغيَّب الوعي، فإن أي نظام، مهما بدا ديمقراطيًا، يتحول إلى قشرة تخفي الاستبداد.
مفاوضات أم مراوغات؟
في السياق العربي، كثيرًا ما نسمع عن “المفاوضات مع اليهود” وكأن اليهود ظاهرة مستجدة في التاريخ، رغم أنهم من أقدم الشعوب. والتجربة التاريخية تُظهر أن أسلوبهم في التفاوض اتسم بالمراوغة؛ فقد جادلوا نبي الله موسى عليه السلام في أمر البقرة، بعدما أوحى الله إليهم أن يذبحوها، رغم أن الموضوع لم يكن البقرة في حد ذاتها، بل القتيل الذي لم يعرفوا قاتله. وقد أوضحت الآية الكريمة ذلك في قول الله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ • فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ…} [البقرة: 72-73]
هذا المشهد التاريخي يكشف أن المماطلة والمجادلة ليستا أسلوبًا مستحدثًا، بل نهجًا ممتدًا عبر العصور.