معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1853

اهمية الدخل في حياة الانسان ( صراع من أجل البقاء في عالم غير عادل )

حجم الخط

أ. د. محمد طاقة

يمثل الدخل حجر الزاوية في حياة الانسان ، اذ لايمكن تخيل وجود ٍ كريم للفرد من دون وسيلة مادية تضمن له تلبية احتياجاته الأساسية وتحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي . فالدخل لا يُمكِن الانسان فقط من العيش ، بل يشكل مدخلاً نحو الكرامة الإنسانية ، والمشاركة المجتمعية ، وتكافؤ الفرص .

ومع أنّ الحق في العمل والحصول على دخل لائق قد كرس في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( المادة 23) ، فإنّ الواقع العالمي يكشف عن فجوة هائلة بين الحق النظري وممارسته الفعلية ، خاصة في ظل نظام اقتصادي عالمي يكرس الفجوة الطبقية ويعيد إنتاج الفقر .

الدخل هو ما يحصل عليه الفرد من أُجر مقابل عمله أو من مصادر أخرى كالاستثمارات أو دعم اجتماعي ، وهو ليس مجرد أداة للعيش ، بل وسيلة لتحقيق الاستقرار المالي عن طريق القدرة على توفير الاحتياجات اليومية والدخل يعمل على الاستقرار النفسي والاجتماعي ، اذ يجنب الفرد الشعور بالقلق والقلة والعجز ، والدخل يعمل على بناء الثروة والإدخار بما يضمن مستقبلاً أكثر أماناً للأفراد والأسر فضلاً عن تحقيق الرفاه الاقتصادي ، إذ يُسهم الدخل الكافي في تحسين نوعية الحياة عبر الصحة والتعليم والمشاركة الاجتماعية والثقافية .

تقر المواثيق الدولية بأنّ العمل اللاّئق مصدر أساسي للدخل ، وأنّ الحصول عليه حق من حقوق الانسان إلاّ أنّ ملايين البشر محرومون من هذا الحق في ظلّ نظام اقتصادي يربط العمل بالأرباح لا بالكرامة .

الدخل ليس واحداً لدى الجميع ، بل يتفاوت تفاوتاً هائلاً يحدد مستوى معيشة الأفراد . إنّ الدخل المنخفض (دون حد الكفاف ) ويقدر عالمياً بمن يقل دخله عن (5 دولار يومياً ) .

وهو الحد الذي لا يتيح للفرد تأمين المأكل والمسكن والصحة والتعليم . وهنالك الدخل المتوسط الذي يتيح حياة كريمة نسبياً من دون رفاه ويقدر عالمياً بين (10-50 دولار يومياً )

حسب البلدان ، أمّا الدخل المرتفع يسمح بالإدخار والاستثمار والعيش في رفاهية مفرطة أحياناً . الإختلاف بين من يملك دخلاً ومن لايملك ، هو في جوهره الفرق بين الحياة والموت ، أو بين الانسانية واللاّإنسانية ، فالذي لا يملك دخلاً ، لا يستطيع الحصول على الغذاء الكافي فيعيش تحت وطأة الجوع .

بحيث لا يمكنه العلاج ، فيترك للأمراض تنهش جسده ، لا تعليم فيعيش في الجهل . ويقصى

من سوق العمل ، ويترك فريسة للعوز والتهميش . وتظهر التقارير أنّ أكثر من (60‎%‎ ) من سكان القارة الأفريقية يعيشون تحت خط الفقر ، وكذلك أكثر من (30‎%‎) من دول جنوب آسيا والشرق الأوسط . ممّا يعني أنّ مئات الملايين يعيشون في ظروف إنسانية كارثية ، ومن نتائج كلّ ذلك ، تفشي الجريمة نتيجة العوز ، واليأس، ويكثر الفساد كنتيجة لغياب فرص العيش الكريم . وتزداد الأمية والتخلف يوماً بعد يوم بسبب ضعف التعليم ، ومن نتائج ذلك أيضاً انهيار النسيج الاجتماعي وتآكل الشعور بالكرامة .

بالرغم من التقدم التكنولوجي والوفرة العالمية من السلع والخدمات ، إلاّ أنّ الفقراء يزدادون يوماً بعد يوم ، إذ تشير تقارير منظمة أوكسفام

( OXFAM ) إلى أنّ أغنى (1‎%‎) من سكان العالم يملكون اكثر من نصف الثروة العالمية .

، بينما نصف سكان الأرض لا يملكون سوى (2‎%‎) فقط من هذه الثروات .

هذه الفجوة ليست عارضة ، بل ناتجة عن توزيع غير عادل للدخل والثروات ، وعن نظام اقتصادي يعييد إنتاج الهيمنة الطبقية . الصراع الطبقي لن ينتهي كما بشر البعض ، بل تزداد حدته ، فكلّما ارتفعت أرباح الطبقة الرأسمالية، ازدادت البطالة والفقر بين الطبقات المسحوقة .

ممّا تقدم أصبح واضحاً نحن نعيش وسط عالم غير عادل ، إذ عدد سكان العالم تجاوز (8) مليار نسمة والذين يعيشون من دون دخل ثابت ، يقدر عدد العاطلين عن العمل ب أكثر من (430 ) مليون شخص عالمياً وفق بيانات منظمة العمل الدولية لعام (2024) . ومن الذين يعيشون بأقل من (7) دولارات يومياً يتجاوزون (4) مليارات شخص . ومن يعيشون في فقر مدقع أكثر من (700) مليون شخص في المقابل ، هناك أقلية مرهفة تعيش في عالم من الترف ، تستحوذ على الثروة والقرار ، وتتمتع برفاهية لا يمكن تخيلها بالنسبة لأغلبية البشر ، إذ يبلغ متوسط دخل الفرد في دول مثل لوكسمبورغ أو النرويج أكثر من (100) دولار يومياً ، أي ما يعادل دخل شهر كامل لفقراء دول الجنوب ، لذلك نحن بحاجة إلى منظومة اقتصادية عالمية جديدة ، كون المنظومة الدولية الحالية ، التي تهيمن عليها الرأسمالية المعولمة لا تسعى إلى تحقيق العدالة ، بل إلى تكريس الاستغلال . الشركات متعددة الجنسيات ، والبنوك الكبرى ، وصناديق الاستثمار مثل ( بلاك روك ) و ( فانغارد ) تتحكمان في أكثر من نصف الاقتصاد العالمي ، بينما تعاني الدول الفقيرة من الديون والتبعية والانكماش ، هذه المنظومة ترسخ الفوارق الطبقية وتغذي الصراعات عبر الحروب والتدخلات وتهمل حقوق الإنسان الأساسية مثل التعليم والصحة والعمل ،

فالحق في الدخل ليس رفاهية ، بل ضرورة وجودية ، ومن دون دخل لائق، لا يمكن الحديث عن إنسانية الإنسان ولا عن كرامته .

الدخل ليس رقم حساب مصرفي ، بل هو التعبير المادي عن حق الإنسان في الحياة بكرامة وحرية ، وفي عالم تتعمق فيه الفوارق الاجتماعية وتزداد فيه أعداد الفقراء والجوعى يُصبح من واجب كلّ القوى الخيرة ، وكل منظمات المجتمع المدني ، أنْ تناضل من أجل إعادة النظر في النظام العالمي الحالي وإقامة نظام دولي جديد أكثر عدلاً وانسانية .

 

عمان

في 9/9/2025

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *