معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1853

الولايات المتحدة الأمريكية بين الحزبين (( وحدة الهدف واختلاف الآليات ))

حجم الخط

أ. د. محمد طاقة

تشهد الولايات المتحدة الأمريكية هيمنة ثنائية حزبية واضحة ، تتمثل في الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري ، وبالرغم من ما يبدو من تنافس (ديمقراطي) على السلطة ، فإنّ الحزبين في جوهرهما وجهان لعملة واحدة ، يتفقان على الاستراتيجيات الكبرى ، ويسعيان معاً لتحقيق أهداف واشنطن في الهيمنة الاقتصادية والسياسية على العالم ،مستخدميْن ما يسمى بالعولمة ، التي تمثل في حقيقتها أداة فكرية لتكريس النفوذ الأمريكي .ومع ذلك ، فإنّ الخلافات بين الحزبين لا تختفي تماماً ، بل تبرز في الآليات والتفاصيل ، سواءً في السياسة أو الاقتصاد أو حتى القيم الاخلاقية والاجتماعية.

فعلى الصعيد السياسي ، يختلف الحزبان حول طريقة التعامل مع بعض الملفات الدولية . ففيما يتعلق بإيران ، سعى الديمقراطيون بقيادة باراك أوباما ثم جو بايدن إلى إبرام الاتفاق النووي عام (2015) كوسيلة دبلوماسية لتقييد النشاط النووي الإيراني ، بينما انسحب الجمهوريون بقيادة دونالد ترامب من الاتفاق عام (2018) وفرضوا عقوبات مشدّدة ، مؤكدين رفضهم امتلاك ايران السلاح النووي ، ومعارضتهم توسعها في المنطقة . أما في ملف الصين وروسيا فإن الديمقراطيين يفضِّلون المواجه عبر التحالفات الدولية والضغط بالعقوبات ، في حين يميل الجمهوريون إلى خطاب أكثر حدّة يقوم على المواجهة المباشرة سياسياً واقتصادياً . وعلى المستوى الاقتصادي ، يظهر التباين واضحاً في مسألة الضرائب والتأمين الصحي ، فالديمقراطيون يطرحون ضرائب أعلى على الأثرياء والشركات الكبرى لتمويل برامج الرعاية الصحية والتعليمية ، بينما يصر الجمهوريون على تخفيض الضرائب باعتبارها وسيلة لتحفيز الاستثمار والنمو ، كذلك ، تبنى الديمقراطيون مشروع (أوباما كير ) لتوسيع مظلة التأمين الصحي للفئات الفقيرة والمتوسطة ، في حين عارض الجمهوريون هذا المشروع بشدّة وعدّوه عبئا ًعلى الاقتصاد ومساساً بحرية السوق .

أمّا على الصعيد الأخلاقي والاجتماعي، فقد تجلّت الخلافات في قضايا حساسة مثل حقوق المثليين ، أذ يدعم الديمقراطيون المساواة في الحقوق المدنية بما فيها الاعتراف بزواج المثليين قانونياً ، بينما يقف معظم الجمهوريون ضد ذلك انطلاقاً من موقف محافظ يستند إلى المرجعية الدينية والاجتماعية . كذلك يبرز الخلاف حول الإجهاض ، فالديموقراطيون يدافعون عن حق المرأة في الاختيار ، بينما يتبنى الجمهوريون مواقف أكثر تشدداً تقيد الحق . وفي ملف الهجرة ، ينادي الديمقراطيون بانفتاح أكبر ومنح المهاجرين فرصاً قانونية للإقامة والعمل . في حين تبنى الجمهوريون، وخاصة في عهد دونالد ترامب ، سياسة متشددة وصلت إلى مشروع بناء جدار على الحدود مع المكسيك . إنّ هذه الأمثلة تُبين أنّ اختلاف الحزبين لا يمس الخطوط العريضة للسياسة الأمريكية العالمية ، بل يقتصر على تفاصيل وآليات التنفيذ . وهو ما يجعل من موقف ترامب تجاه إيران مثالاً واضحاً يمكن للعرب استثماره . فرفضه للتوسع الإيراني ومعارضته لإمتلاك طهران السلاح النووي ، وإن كان بدافع المصلحة الأمريكية ، إلاّ أنّه يصب موضوعياً في صالحنا . ومن هنا تبرز ضرورة توظيف هذا التباين لصالح مشروع التغيير في العراق ، والسعي للتخلص من الهيمنة الإيرانية وميليشياتها التي تتحكم بمفاصل الحكم فيه .

إنّ قراءة السياسة الامريكية بوعي لا تعني الانخداع بالشعارات ، بل استثمار التناقضات بين الحزبين بما يخدم قضايانا .

فإذا كان الديمقراطيون والجمهوريون معاً يسعون وراء مصلحتهم في فرض الهيمنة ، فعلينا نحن العرب أنْ نضع مصالحنا فوق كلِّ اعتبار ، وأنْ نستغل كلّ فرصة لتخفيف وطأة التدخلات الأجنبية ، وعلى رأسها الهيمنة الإيرانية في العراق والمنطقة ، فالرهان الحقيقي ليس على واشنطن ، بل على وعينا كأمة وقدرتنا على تحويل أيّ تغيير في المواقف الدولية إلى قوة دفع تخدم استقلالنا وسيادتنا .

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *