بغداد-محمد فاضل ظاهر
يعد المطرب الفنان الريفي الراحل سلمان المنكوب واحدا من ابرز رواد الاغنية الريفية في العراق حيث نال العديد من الالقاب التي اطلقها عليها محبيه ووصفوه ب ( اسطورة الجنوب ). والمنكوب ليس مطربا عاديا بل كان مطربا مميزا.وسط المطربين الريفين الذين كان لهم حضورا غير عاديا لدى الذائقة الشعبية للناس حيث كان يتمتع بذاكرة قوية وحس عال وموهبة جعلت منه ان يتكلم 5 لغات من خلال معايشته اليومية للانكليز والهنود والاتراك والايرانيين يوم كان يعمل بحارا في موانئ البصرة .والمنكوب على الرغم من انه عاش ضنك العيش والمرض لكنه كان ليس مطربا عاديا بل يعد علامة فارقة في الغناء الريفي العراقي حيث كان صدى صوته يتردد في اغلب الاحياء الشعبية في حفلات العرس وكان الالاف من محبيه يأتون من مسافات بعيدة من اجل الاستماع الى صوته الذي يثير في أذن المستمعين نوعا من الجاذبية القريبة. والفنان الراحل كتب الشعر القريض والشعبي وكذلك الموالات والابوذيات مما كان لصوته الشجي الحزين وسيلة الى اعماق الناس حيث غنى المنكوب بعمر العشر سنوات ليغني أغاني مسعود العمارتلي.حيث كان يستقطب أقرانه من الصبية والبنات ليغني ما يحفظ بصوته المميز وعندما وصل خبره الى والده ثار عليه لانه كان يريد ابنه أن يكون خطيبا حسينيا لكون ان عائلته كانت من اسرة دينية وكان والده قارئ منبر حسيني ومعرفا في محافظات الوسط والجنوب. ولكن سلمان وجد هذا الامر تحديا كبيرا لطا قاته والارادته لكون ان والده كان يرفض ان يكون مغنيا.فتوجه المطرب سلمان الى بغداد وكان ذلك عام 1945.ولكن في عام 1947. دخل الى الاذاعة العراقية اللا سلكية مع زميله المطرب داود زيدان وكانت بدايته في اول اغنية له ( أوياكم ) وكانت من الحانه وكتاباته ثم توالت عليه الاسطوانات بعد ذلك مع شركة ( بيضفون ) ثم توالت الجلسات الغنائية له وبحدود 600 جلسة. والفنان الراحل سجل وصور لاذاعة وتلفزيون العراق العديد من الاعمال حيث كان عازفا للعود. والكمان.والربابة. وكانت من أشهر أغانيه ( ياهضيمة ). وامرن بالمنازل. وياسوالفنا. وهلي ياحيف .وعلى يادان يادان.وحبيبي هاي وين الغيبة. وهذه الاغاني كانت جزءا من شهرته حيث اصبح الناس يرددون هذه الاغاني وخصوصا من محبي الاغنية الريفية ولاسيما اغنية( امرن بالمنازل). والمطرب سمي بالمنكوب لنكبة حلت به وهو ان فيضانا قد حل على منطقة الوشاش فتم اعلان هذه المنطقة بالمنطقة المنكوبة ومن هنا جاءت تسميته بالمنكوب لكونه كان احد الساكنين في هذه المنطقة.والفنان الراحل سلمان كان شاعرا وملحنا وله لون خاص وطريقة في الاداء وذو حنجرة قوية واسعة المساحة حيث لازمته حتى عند بلوغه ألثمانين من عمره والفنان الراحل غنى جميع الاطوار ومنها الحياوي .والشطراوي والمحمداوي. واللامي والحويزاوي والركباني. والمحبوب.وغيرها من هذه الاطوار حيث استطاع ان ينقش أسمه في ذاكرة التاريخ.حيث غنى في كافة المناسبات سواءا كانت وطنية.حفلات زواج.بل وحتى الرثاء وهو أفضل من أداه.والمنكوب لم يحظى على مجد مادي ولكن حظي بحب الناس وتقديرهم وكان في اي مكان يذهب اليه يتلقى الحفاوة والتكريم من قبل النخبة المثقفة لكونه اديبا ومثقفا وشاعرا. والمنكوب تأثر في بداية حياته الفنية بالمطرب العماري فالح وتعلم منه الغناء ويعد من عمالقة الفن الريفي ومنهم داخل حسن وناصر حكيم .حيث ترك في رحيله فراغا في الساحة الفنية باداءه ولحنه وشعره الذي بموجبه رفع المقياس الذي تقاس به جودة الاداء.ومن محطات حياة الفنان انه( سجن لقضية شخصية لمدة 10 سنوات وينما كان في زنزانة السجن وصلت بشارة فرح الى السجناء حيث خرج من خرج والبعض الاخر من تم تخفيف محكوميته في السجن الا هو فتم كتابة قصيدة الى الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم عبر فيها عن مظلوميته وشكواه وحزن ومطلعها ( كلها طلعت بس ترى المنكوب ظل ) .وماهي الا ايام حيث جاءه اخاه ومعه بشارة الخبر وهي ان القصيدة قراءها الزعيم قاسم وكتب عليها بالقلم الاحمر بشموله بتخفيف محكوميته من 10 سنوات الى 7 سنوات ولكن حدث الانقلاب وتم نقلي الى سجن بعقوبة ثم الى سجن البصرة واعيدت محاكمتي من جديد حيث صب احد الحكام ( جام غضبه ) علي قائلا ( خلي يفيدك زعيمك ) لاغيا ( المرحمة ). وقضيت 10 سنوات في السجن . والمنكوب تزوج من 13 امراة أنجبت 38 ولدا و5 بنات بالاضافة الى عشرات الاحفاد بسبب عشقه وحبه للكثير منهن. وفي زمن النظام السابق كان غالبا ما يفلت لسانه وتكون النتيجة اعتقالي ثم اخرج من السجن حيث تكررت هذه الحالة عدة مرات معه ثم ارسل الرئيس الراحل احمد حسن البكر بطلبي حين قابلته حيث قال لي لامنكوب بعد اليوم بعدها اكرمه واعطاه هوية حمراء احتفظ بها لحد وفاته ولكن عندما تقدم للتعيين في الاذاعة وقف وزير الاعلام الاسبق محمد سعيد الصحاف حجر عثرة في طريقه عندما طلب منه الانتماء الى الحزب فرفض المنكوب طلبه وقال له انا رجل حر انتقل من مكان لاخر ولا استطيع الالتزام وهكذا ضاعت الوظيفة منه وتوصية البكر له.ومن المفارقات الاخرى في حياته ان كان الراحل لطيف نصيف جاسم محبا كثيرا لصوته وكان عندما يسمع صوته يذهب في غيبوبة حيث كان يتدخل دائما لاخراجه من السجن. والمنكوب لم يستطيع احدا لحد الان من تقليده لكون طوره الغنائي كان صعبا وقد حاول الفنان الراحل رياض احمد من تقليد طريقة الفنان المنكوب في الغناءولكنه لم يوفق ومع ذلك اخذ منه ابوذية وكذلك الفنان قحطان العطار الذي اعطاه موال ( اماه لاتحزني ). ويذكر ان الفنان المطرب الريفي الراحل سلمان المنكوب هو بن غلام بن علي بن شرهان ولد في ميسان -ناحية المجر الكبير عام 1918 من اسرة دينية حيث كان والده احد قراء المنبر الحسيني ومن الشخصيات المعروفة في المحافظات الجنوبية والفرات الاوسط والفنان عاش خلال سنواته الاخيرة في بيت بمدينة الصدر ببغداد مكتظا بالعشرات من ابناءه واحفاده بالاضافة الى ضنك العيش والمرض على الرغم من انه كان ليس مطربا عاديا حيث نشرت له بعض وسائل الاعلام طلب استغاثة عن حالته الصحية المتدهورة أنذاك لاصابته ( بجلطتين ) .ولكن لم تجد لها أي استجابة والتي دفعتا به الى الرحيل عن عالم الدنيا عن عمر ناهز الثمانين بعد معاناة مع المرض عام 2011 بعد ان كانت ولادته عام 1918 في ميسان ناحية المجر الكبير -قضاء كميت حيث شيع الى مثواه الاخير من مدينة الصدر في بغداد الى مقبرة السلام في النجف بعد رحلة طويلة من الغناء والشهرة.