أ. د. محمد طاقة
التباهي سلوك إنساني يعكس طبيعة الشخصية وأهدافها ، ويختلف بين شخص و آخر حسب القيم التي يؤمن بها، ينقسم المتباهون إلى نوعين رئيسيين: المتباهي الإيجابي والمتباهي السلبي ، ولكل منهما تأثيره على الفرد والمجتمع .
المتباهي الإيجابي هو شخص يتباهى بأخلاقه
وسلوكه القويم وبما يقدمه من إنجازات تخدم المجتمع والإنسانية ، فهو فخور بتربية عائلته ونجاحاته في المجالات المختلفة مثل
( الأدب ، والعلوم ، والفنون ، والاختراعات ، وتقديم الأفكار ) هذا النوع من التباهي ليس فقط مقبولاً ، بل يعتبر ضرورياً لتحفيز الآخرين على تحقيق الأفضل .
فعندما يشارك الباحث ا لآخرين بابحاثه ، و الكاتب بمؤلفاته ، و المهندس بابتكاراته ، فهو يشجع المجتمع على التطور والتقدم والإبداع .
على النقيض ، المتباهي السلبي ، هو الشخص الذي ينسب لنفسه إنجازات الآخرين وافكارهم وإبداعاتهم دون وجه حق ، هذا النوع من الاشخاص يسعى لاحتواء الجهود الفكرية والعلمية ويقدمها للآخرين وكأنها من عمله الشخصي ، هؤلاء لا يساهمون في بناء المجتمع بل يعرقلون تطوره بطمس حقوق المفكرين والمبدعين .
عبر التاريخ ، قدم العرب والمسلمون إسهامات عظيمة في مجالات متعددة ، كعلم
( الفلك ، والجبر ، والرياضيات ، والطب ، والهندسة ، وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم ) أسماء مثل ( ابن رشد ، وابن سينا ، والخوارزمي ، وابن البيطار ، وابن خلدون وغيرهم ) تشهد على عظمة هذه الإنجازات ، كانت علومهم اساساً للنهضة الاوربية ، ولكن الغرب نسب العديد من هذه الإنجازات لنفسه ، متباهياً بها وكأنها من ابتكاراته .
ان هذا النوع من التباهي السلبي لا ينكر فقط فضل العلماء العرب ، بل يحرم الأجيال القادمة من الاعتزاز بتراثهم العلمي والثقافي .
للأسف تنتشر مشكلة التباهي السلبي في دول العالم الثالث بشكل خطير ، خاصة بين القادة والمسؤولين غير المؤهلين الذين يتبوأون المناصب القيادية ، هؤلاء يعتمدون على العلماء والمفكرين لتحقيق النجاح ، ثم ينسبون تلك النجاحات لأنفسهم ، هذا السلوك يطمس حقوق المبدعين ويعرقل تطور المجتمعات ، حيث تصبح المناصب القيادية حكراً على من لايستحقها .
هذا النوع من التباهي يؤدي إلى تعطيل الطاقات المبدعة وإعاقة التطور . فحينما يتم تجاهل حقوق العلماء والمفكرين ، يفقد المجتمع الثقة بالكفاءات ويصبح النجاح مرهوناً بالعلاقات والمحسوبيات ، مما يعزز مناخ الفساد ويؤدي إلى تراجع التنمية .
ان التباهي الإيجابي سلوك حضاري يحفز على الإبداع والتقدم ، بينما التباهي السلبي يشكل عائقاً امام التطور والعدالة . لذلك يجب على المجتمعات ان تكرم اصحاب الإنجازات الحقيقية وان تحارب الظلم الذي يمارسه المتباهون سلبياً لضمان مستقبل افضل .