معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1853

الحوثيون أداة إيران وورقة الغرب في تمزيق اليمن 

حجم الخط

أ. د. محمد طاقة

يمر اليمن منذ أكثر من عقد من الزمن بواحدة من أكثر الأزمات تعقيداً في تاريخه الحديث ، إذ تحوّل من دولة تبحث عن الديمقراطية بعد الربيع العربي إلى ساحة صراع إقليمي ودولي تتقاطع فيها مصالح القوى الكبرى والإقليمية .

في قلب هذا المشهد الدموي برزت حركة الحوثيين التي تُعرف رسمياً باسم ( أنصار الله) ، كقوة انقلابية مسلحة إستولت على العاصمة صنعاء عام (2014) ، وأدخلت البلاد في دوامة من الحرب والفقر والانقسام .

غير أنّ فهم حقيقة الحوثيين لايكتمل إلاّ عبر تحليل خلفيتهم المذهبية ، وَصِلاتهم بإيران ، والدور الذي تؤديه القوى العربية في الإبقاء عليهم كأداة ضغط دائمة في واحدة من أهم مناطق العالم الجيو سياسي .

تعود نشأة الحوثيين إلى تسعينات القرن الماضي في محافظة صعدة شمال اليمن ، على يد ( حسين بدر الدين الحوثي ) ، الذي أسس حركة دينية ذات طابع زيدي معارض للنفوذ السعودي والأمريكي ، بعد مقتل مؤسسها عام (2004) تولى القيادة أخوه ( عبد الملك الحوثي) الذي حوّل الحركة إلى تنظيم سياسي عسكري يحمل خطاباً طائفياً واضحاً ويستلهم شعارات الثورة الإيرانية مثل (( الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل، اللّعنة على اليَهود ، النصر للإسلام )) ، وبمرور الوقت ، توسّعت الجماعة من مجرد حركة احتجاجية إلى قوة مسلحة سيطرت على العاصمة صنعاء ، وأجبرت الحكومة الشرعية على الهروب إلى عدن ، ثم الرياض ، ومنذ ذلك الحين ، يعيش اليمن حالة حرب أهلية وإقليمية مدمِّرة .

يشكِّل الحوثيون أقلية مذهبية تنتمي إلى الزيدية التي تنتشر في بعض مناطق الشمال ، خصوصاً صعدة وعمران وحجة وأجزاء من صنعاء ، في المقابل ، يرفض معظم سكان اليمن خاصة في الجنوب وتعز ومأرب , هيمنتهم ، معتبرينهم جماعة انقلابية مسلحة تمثل مشروعاً طائفياً ًيهدد وحدة البلاد .

لقد فرض الحوثيون سيطرتهم بالقوة والسلاح ، لا عبر الشرعية الشعبية ، واستخدموا سياسة القمع والتجويع والابتزاز المالي ، مستغلين مؤسسات الدولة لتمويل حربهم وإخضاع القبائل والمجتمعات المحلية .

العلاقة بين الحوثيين وإيران ليست مجرد تحالف سياسي ، بل هي علاقة تبعية استراتيجية بامتياز ، فمنذ مطلع الألفية الثالثة ، تبنّت طهران الحوثيين كذراع عسكري جديد ضمن مشروعها الإقليمي المعروف باسم الهلال الشيعي ، الذي يمتد من طهران إلى بغداد ودمشق وبيروت ، وقدّمت لهم الدعم عبر التمويل والتسليح (( صواريخ ، طائرات مسيرة ، خبراء من الحرس الثوري )) .

الإعلام والتعبئة العقائدية عن طريق قنوات ومنابر تابعة لإيران وحزب الله وكذلك الدعم السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية لإضفاء الشرعية على وجودهم .

وتهدف إيران من ذلك إلى امتلاك قاعدة على البحر الأحمر وبالقرب من باب المندب ، ما يتيح لها التأثير على تجارة النفط العالمية وتهديد أمن الملاحة الدولية متى تشاء .

منذ بداية الحرب في اليمن ، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا دعمهما ل ( التحالف العربي) بقيادة السعودية ضد الحوثيين ، لكن الواقع الميداني أثبت أنّ هذا الدعم لم يكن حاسماً ، بل اتسم بالتردد والغموض ، وبالرغم من التفوق العسكري الهائل للتحالف ، فإنّ الحوثيين لم يهزموا ، والسبب يعود إلى أنّ القوى الغربية لا تريد حسم الصراع ، بل تسعى إلى إدارته بما يخدم مصالحها الاستراتيجية . أمريكا وبريطانيا وإسرائيل ، تستفيد من استمرار الحرب لأسباب عدة :

1- إنهاك السعودية والإمارات اقتصادياً وعسكرياً ، وإبقائها في حاجة دائمة للسلاح والدعم الغربي .

2- استخدام الحوثيين كورقة ضغط على إيران في مفاوضات النووي والملفات الإقليمية .

3- إبقاء البحر الأحمر وباب المندب تحت تهديد دائم يبرر الوجود العسكري الغربي في المنطقة .

4- منع اليمن من أنْ تتحوّل إلى دولة مستقلة قوية قادرة على التحكّم في واحدة من أهم الممرات المائية في العالم .

 

يسيطر الحوثيون اليوم على مناطق ساحلية استراتيجية أهمها الحديدة ، ويملكون القدرة على تهديد الملاحة في باب المندب الذي تمر عبره نسبة كبيرة من التجارة العالمية ونفط الخليج إلى أوربا . هذا الموقع يمنحهم ورقة مساومة ضخمة بيد إيران ، التي يمكنها عن طريقهم تعطيل الملاحة أو استهداف السفن الاسرائيلية والغربية ، ومع ذلك لا تتحرك القوى الكبرى بشكل جاد لأزاحتهم ، لأنها ترى في وجودهم توازناً مفيداً في لعبة النفوذ بالمنطقة .

إنّ جماعة الحوثي ليست ظاهرة يمنية محضة ، بل نتاج مشروع خارجي تقوده إيران وتغض عنه القوى الغربية الطرف ، لأنّ٠طه يخدم مصالحها في استمرار الفوضى والسيطرة غير المباشرة على المنطقة .

لقد تحوّل اليمن إلى ساحة لتصفية الحسابات بين قوى إقليمية ودولية ، والضحية الكبرى هو الشعب اليمني الذي يعاني من الفقر والمجاعة وانهيار الدولة .

وما لم يتم تحييد هذه القوى وإعادة بناء دولة يمنية وطنية مستقلة ، سيظل الحوثيون أداة بيد طهران ، وورقة بيد واشنطن ولندن وتل أبيب ، لتفتيت اليمن وإضعاف الأمة العربية بأكملها .

نهاية شهر اب /2025

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *