معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1853

التصنّع.. موتٌ بطيء للروح وتهديد لجوهر الإنسان

حجم الخط

الكاتب نبيل بوزيد

في زمن تتسارع فيه الصور وتتكاثر فيه الوجوه المصطنعة، تستعيد الواقعية أهميتها بوصفها حالة من الصدق الداخلي قبل أن تكون أسلوبًا في النظر إلى العالم. فالواقعية ليست انغماسًا في القبح، كما يظن البعض، بل قدرة على رؤية الوجود كما هو، دون تزويق ولا تهرّب من العيوب التي تشكّل جزءًا أصيلاً من الطبيعة البشرية.

 

الإنسان الواقعي لا يخجل من نقصه، بل يعترف به ليكمله، ويؤمن بالتدرّج ليصل. يرى الجمال في بساطته، ويعيش حياته كما هي، بعيدًا عن ضجيج الادعاء. وعلى النقيض منه، ينسج المتصنّع لنفسه صورة مثالية لا يعيشها، فيتحول إلى غريب عن ذاته والناس معًا. وهكذا يصبح التصنّع شكلاً من أشكال الموت البطيء للروح، لأنه يطفئ شعلة الصدق التي تنضج بها التجربة الإنسانية، ويستقيم بها الوعي.

 

وتشير ملاحظات اجتماعية حديثة إلى أنّ ثقافة «المظاهر» باتت تقتحم تفاصيل الحياة اليومية، وتحوّل الوعي إلى مسرح للتمثيل بدل أن يكون مرآة للحقيقة. فالمتكلف لا يعيش ما يقول، بل يقول ما يظن أنّ الآخرين يرغبون في سماعه. وكلما ازداد التصنّع، اتسعت الفجوة بين الإنسان وجوهره الأصيل، وتحوّلت حياته إلى مشهد متواصل من الزيف الهادئ.

 

إن الواقعية اليوم ليست مجرد خيار فلسفي، بل حاجة إنسانية ملحّة لإعادة بناء الصلة المفقودة بين الفرد وذاته. فالصدق مع النفس لم يعد ترفًا، بل ضرورة للحفاظ على اتزان الروح وسط عالم يزداد سرعةً وزيفًا. وفي معركة كهذه، يظل الإنسان الحقيقي هو من يختار أن يعيش ذاته، لا صورتها.

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *