أ. د. محمد طاقة
تعيش الامة العربية اليوم حالة من التشظي والانقسام الغير مسبوق ، وهو ما يهدد مستقبلها ووجودها ، فقد سعت الصهيونية العالمية ومنذ سنوات طويلة على نشر هذا المرض من اجل تفتيت الامة وتجزأتها إلى كيانات هزيلة تتقاتل فيما بينها من اجل استنزاف طاقاتها البشرية والمادية وإضعافها ليسهل السيطرة عليها واستعبادها ، وخوفا من وحدتها ونهوضها ، لذا استهدفت الصهيونية العالمية وبشكل ممنهج العرب والإسلام الحقيقي ، وساهمت الصهيونية في تخلف الامة وجهلها ، وزجها بصراعات داخلية لا نهاية لها كما يحدث في اليمن ، فاليمنيون يقتلون بعضهم البعض والسودانيون يقتلون بعضهم البعض وكذلك لبنان وسوريا وليبيا ..
وفي عام (٢٠٠٣) بعد غزو العراق واحتلاله انتقل مرض التشظي اليه واصبح العراقيون يقتلون بعضهم البعض لأسباب طائفية وعرقية ومادية مما عمق حالة التشظي داخل المجتمع العراقي بدلا من وحدته لإنقاذ العراق من الاحتلال وما خلفه من مآسي اقتصادية واجتماعية وسياسية ، فنرى ان الشعب العراقي قد تشتت بشكل مخيف بحيث اصبح من الصعب جداً ان يتوحد في اطار تنظيمي وطني من اجل تحرير العراق ..
فظهر اكثر من تجمع يسعى إلى تحرير العراق ، مثل ( التحالف الوطني العراقي ، المعارضة الوطنية ، وتحالف المستقلين ، والمجلس الوطني للمعارضة العراقية ، وغيرها بالعشرات ) ولكل منهم اجندته الخاصة . ومع ذلك فشل العديد من هذه التجمعات في تحقيق الوحدة المطلوبة لتحرير العراق ، وذلك لاسباب متعددة منها الاختلافات الاديولوجية. وتضارب المصالح ووجود تاثيرات خارجية تعزز الفرقة بينهم فضلاً عن غياب القيادة الموحدة كلها تعكس الصعوبات الكبيرة التي تواجهها المعارضة العراقية سواء في الداخل او الخارج ، ولذلك لا يمكن تحقيق تغيير جذري او تحرير كامل للعراق دون وحدة وطنية حقيقية وارادة سياسية صلبة تتجاوز الخلافات الداخلية والتأثيرات الخارجية ..
ولماذا لا تتوحد هذه الجهود ؟
فهل نحن شعب نعشق التشتت والتشظي ، كوننا لا ندرك اهمية الوحدة ..
ادرك العالم مبكراً اهمية العمل الجماعي والتعاون لمواجهة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية حتى وصل الأمر إلى حد الاندماج وخلق تكتلات اقتصادية واجتماعية وسياسية ، من اجل تحقيق الأمان ورفاه شعوبهم، كالسوق الاوربية المشتركة وتكتل النافتا وآسيان والبريكس وغيرها ..
عدا الامة العربية لم تعِ لحد الان اهمية الوحدة العربية ( وحكامها يعشقون التشتت ) ، وسوف لن تتمكن الامة القضاء على التخلف والجهل والفقر والحرمان إلا من خلال الوحدة ، ولا يمكن لها من تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية إلا بامكانيات الامة المادية والبشرية وهي موحدة ، ولا يمكن للامة العربية ان تاخذ دورها الإنساني والحضاري إلا بوحدتها ، ولكن مع الأسف الشديد ولاسباب خارجية وداخلية تحول دون تحقيق وحدتها رغم ان الشعب العربي متمسك بهذا الهدف ..
لقد تربينا على ان بالوحدة قوة ، وكان آباؤنا ومعلمينا يروون لنا قصة ( الأبناء الثلاثة وحزمة العصي ) والقرآن الكريم يوصينا ان نعتصم بحبل الله جميعا ًولا نتفرق ، ولكن لماذا نعمل عكس ذلك ؟ هل لان مرض التشظي نال منا ونخر عقولنا وبدأنا نعشق الانشطار كالأميبيا ..
لم يقتصر مرض التشظي على الشعوب والدول فحسب ، بل طال أيضاً الاحزاب والقوى الثورية التي كانت تحمل لواء الوحدة والحرية ..
فحزب البعث الذي كان رمزاً للقومية العربية والوحدة ، هو احد الأمثلة البارزة على هذا التشظي ، فقد شهد الحزب انقسامات متعددة ، نتيجة لاسباب كثيرة منها عقدة القيادة التي تعاني منها النخب العربية ، وخاصة في العراق ، هذه العقد قادت إلى تفتيت الحزب وتشتيت قياداته ، مما أضعف قدرته على التأثير في الساحة السياسية العربية وأدى إلى فقدان الثقة فيه كقوة موحدة للامة ، واصبح حزب الوحدة بلا وحدة ، وكيف سنتمكن من توحيد الامة ونحن لن نتمكن من توحيد صفوفنا ، اليس هذه القيادات لن تدرك حجم التآمر على الحزب وعلى الامة العربية .
ان مرض التشظي الذي تعاني منه الامة العربية وأحزابها الثورية ، ليس مسألة يمكن التغاضي عنها او تجاهلها بل هو تحدِ وجودي يتطلب من العرب جميعا شعوباً وقيادات وأحزاب ثورية ، العمل بجديةعلى معالجة أسبابه سواءًالداخلية منها او الخارجية ، وكما قلت في مقالة سابقة ( عندما نجد خللاً في القاعدة نبحث عنه في اعلى قيادة ) لانها هي المسؤولة عن التشظي ، فالوحدة هي السبيل الوحيد لمواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة ، والسبيل الوحيد لتحقيق مستقبل افضل للأجيال القادمة ..