أ. د. محمد طاقة

أثار اهتمامي ما نشره السيد دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية على منصته ( تروث سوشل ) فيي يوم 2024/12/21 ، طالب فيه اعادة السيطرة على قناة بنما ، وقال ان القناة تلعب دوراً حيوياً للاقتصاد ولمنظومة النقل في الولايات المتحدة الأمريكية ، وذكر بالدور الذي لعبته واشنطن في في بناء القناة أبان حكم الرئيس السابق روزفلت ، في بداية القرن العشرين والكلفة المادية والبشرية التي دفعتها أمريكا لانجازها .
بعد هذا التصريح ، اصبحت قناة بنما ساحة جديدة للمنافسة بين الصين وأمريكا ظهرت على السطح ، حيث اكد ترامب على اهمية اعادة السيطرة على القناة ، لانه يخشى من زيادة النفوذ الصيني عليها وعلى التجارة العالمية خصوصاً أن الشركات الصينية تتخذ من هذه القناة ممراً لها .
تعد قناة بنما ممراً مائياً استراتيجياً يربط بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادي ، مما يجعلها محوراً حيوياً للتجارة العالمية ، واعطاها اهمية استراتيجية وبشكل خاص من الناحية الاقتصادية ، حيث تمر عبر القناة حوالي (5‎%‎) من اجمالي التجارة البحرية العالمية ، مما يبرز دورها المحوري في تسهيل حركة البضائع بين القارات .
هذا إذا علمنا ان قناة بنما تمثل الشريان التجاري العالمي وان المرور عبر هذه القناة تقلص رحلة السفن حول الأمريكيتين من ( 21 ) الف كيلو متر إلى (8) الف كيلو متر ، أي بفارق (13) الف كيلومتر ، مما يؤثر ذلك على تكلفة النقل بشكل كبير .
وبحسابات بسيطة تكون التكلفة التي توفرها بنحو (2) مليون دولار بعد خصم رسوم قناة بنما والتي قد تصل بين (200) الف دولار و(500) الف دولار وتعتمد على حجم السفينة وحمولتها ، وان مبلغ ال (2) مليون دولار يمثل التوفير لكل سفينة واحدة عند استخدامها قناة بنما ، و وفقاً للاحصائيات ، تمر بقناة بنما حوالي من (35-40) سفينة يومياً بناءً على حجم السفن وحركة المرور الموسمية .
ففي هذه الحالة يكون التوفير الاجمالي للسفن التي تمر يومياً عبر القناة بنحو (74) مليون دولار ، هذا إذا علمنا ان حوالي (12) الف إلى (14) الف سفينة تمر عبر القناة سنوياً ، ما يعني ان القناة تحقق توفيراً هائلاً للاقتصاد البحري العالمي .
وتتيح هذه القناة الربط بين (160) دولة و(1700) ميناء حول العالم ، ويمر عبرها حوالي (5‎%‎) من حجم التجارة العالمية ويصل عدد السفن التي تمر بها إلى (14) الف سفينة في مقدمتها السفن الأمريكية والصينية واليابانية إلى جانب نقل (70) الف حاوية أسبوعياً ، ومن جراء ذلك تحقق قناة بنما ايرادات سنوية تقدر بحوالي (5) مليار دولار ، مما يجعلها مصدر دخل رئيسي لاقتصاد بنما ، وهي تمثل ما لايقل عن (8‎%‎) من الناتج المحلي الإجمالي لبنما .
وفي ظل التنافس الاقتصادي والتجاري بين الصين وأمريكا تبرز قناة بنما كنقطة استراتيجية ذات اهمية بالغة ، كما أعرب الرئيس الأمريكي ترامب عن قلقه من تزايد النفوذ الصيني في منطقة قناة بنما مؤكداً انه لن يسمح للصين بالسيطرة على القناة ، على الرغم من أن ملكية وادارة القناة تعود للحكومة البنمية ، إلا ان الصين تسعى إلى تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال الاستثمارات الاقتصاديّة التي قامت بها الشركات الصينية في مشاريع البنى التحتية وموانئ قريبة من القناة مما يعزز وجودها الاقتصادي في المنطقة .
وتسعى الصين إلى بناء علاقات دبلوماسيّة قوية مع بنما لتعزيز نفوذها وتأمين مصالحها الاستراتيجية ، وهذا إذا علمنا ان أمريكا والصين هم الأكثر اعتماداً على القناة في نقل البضائع ، والجدول الآتي يبين لنا اكبر خمس دول من حيث حجم البضائع العابرة من قناة بنما خلال عام (2024) .

البلد حجم البضائع ( مليون طن)
——- ————————————
امريكا 160
الصين 45
اليابان 31
كوريا الجنوبية 20
تشيلي 17
————————————
هذه الأرقام تبين لنا الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لهذه القناة بالنسبة للصين وأمريكا ، علماً ان الصين وقعت مع بنما اتفاقيات لإدارة القناة ، وهنالك عدة شركات صينية تدير المواني ، والمنشآت اللوجستية لقناة بنما .
وان الشركات الصينية تدير مدخلي القناة الشرقي منها والغربي ، وكل ذلك بهدف تحويل القناة إلى مركز رئيسي لحركة المنتجات الصينية وتوزيعها في منطقة امريكا اللاتينية .
هذا ما أثار قلق الرئيس ترامب ودفعه بأن يصرح على منصته يطالب باعادة السيطرة على قناة بنما ..