معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1853

الانسان المنتج وصناعة المستقبل  (( لمناسبة عيد العمال العالمي )) 

حجم الخط

أ. د. محمد طاقة

لا تنهض المجتمعات ولا تتقدم الامم إلا بسواعد أبنائها المنتجين ، أولئك الذين يدركون قيمة الوقت واهمية العمل في بناء الحاضر وصنع المستقبل ، فالإنسان المنتج هو حجر الاساس لكل عملية تنموية ناجحة ، اذ أن العمل والإنتاج بمختلف اشكالهما ، الفكري والمادي والاجتماعي ، يشكلان القاعدة التي تبنى عليها الحضارات .

وفي هذا السياق ، تبرز اهمية استغلال جميع الطاقات البشرية المتوفرة ، سواء في سن العمل أو بعده ، من اجل تحقيق مجتمع متطور ومتكامل يعتمد على نفسه ويصنع مستقبله بيده .

الانسان المنتج هو الذي يستغل جُلّ وقته بالعمل والإنتاج ، مهما كان نوع هذا الانتاج ، فالانتاج لايقتصر فقط على الجهد البدني والمادي ، بل يشمل ايضاً الانتاج الفكري والاجتماعي والإنساني ، كل إسهام حقيقي يقدمه الفرد لمجتمعه ، سواء كان فكرة جديدة ، مبادرة اجتماعية ، أو منتجاً مادياً ، يعد جزءاً من عملية الانتاج التي ترتقي بالمجتمع وتدفعه نحو التقدم .

يتكون المجتمع من أفراد تجمعهم مقومات مشتركة كالدين ، واللغة ، والتاريخ ، والجغرافيا ، وعندما يكون هؤلاء الأفراد منتجين ويستغلون قدراتهم وطاقاتهم بأقصى ما يمكن ، فإنهم يشكلون مجتمعاً منتجاً مثالياً ، وإنتاجية الفرد مهما كانت طبيعتها ، تنعكس ايجابياً على المجتمع ككل ، وتؤدي إلى بناء مجتمع مزدهر وقادر على تحقيق تطلعاته المستقبلية .

تتميز المجتمعات المتقدمة بأنها تنتج اكثر مما تستهلك ، مما يجعلها متطورة اقتصادياً واجتماعياً ، كما هو الحال في الدول الصناعية الكبرى ، خصوصاً في الدول الرأسمالية ، اما المجتمعات التي تستهلك اكثر مما تنتج ، فهي مجتمعات متخلفة وعاجزة عن تحقيق التنمية المستدامة ، مما يجعلها معتمدة بشكل دائم على غيرها ، وغير قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي أو التطور الحقيقي .

من واجب الإنسان ان يعمل ويستغل كل وقته المتاح للإسهام في تطوير مجتمعه اقتصادياً ، واجتماعياً ، وثقافياً ، وفي جميع مناحي الحياة ، ولا يقتصر هذا الواجب على سن العمل فقط ، بل يشمل ايضاً مرحلة ما بعد التقاعد .

فالمتقاعدون يمتلكون خبرات وتجارب ثمينة يمكن ان تسهم في نقل المعرفة إلى الأجيال الجديدة .

ولكن ومع الأسف نجد ان كثيراً من المتقاعدين لا يشاركون هذه الخبرات ، بل يقضون أوقاتهم في أنشطة غير منتجة مثل الجلوس لساعات طويلة في المقاهي أو امام شاشات التلفاز بلا فائدة تذكر .

تعد فئة المتقاعدين مورداً هاماً يمكن الاستفادة منه في مجالات كثيرة تتناسب مع أعمارهم وقدراتهم (( كطبيب أسنان متمرس ، محامي قدير ، استاذ جامعي لامع إلى آخره )) ، وذلك من خلال توظيفهم في أعمال استشارية او تدريسية ، يمكن دعم الاقتصاد الوطني والاستفادة من معارفهم الواسعة في تطوير مختلف القطاعات .

فالمتقاعد لا يعني نهاية العطاء ، بل يمكن ان يكون بداية جديدة لعطاء مختلف بطبيعته لكنه لا يقل اهمية .

على الانسان مهما بلغ من العمر ، ان يظل فاعلاً ومنتجاً في مجتمعه . العمل المنتج ليس مرتبطاً بالعمر بقدر ما هو مرتبط بالإرادة والقدرة على العطاء .

سواء عبر نشاط فكري أو اجتماعي أو اقتصادي ، فكل فرد قادر على ان يكون عنصراً فاعلاً وليس عبئاً على المجتمع ، فالمجتمعات التي تشجع ابنائها على الانتاج الدائم هي مجتمعات قادرة على الاستمرار والتطور .

ان العمل والإنتاج مسؤولية فردية وجماعية في آن واحد ، فمن خلال تفاني الأفراد في استثمار أو قاتهم وقدراتهم ، يمكن للمجتمعات ان ترتقي وتحقق استقلالها وتطورها المنشود .

ولذا يجب علينا ان نزرع في نفوس أبنائنا حب العمل ، واهمية الانتاج وقيمة الوقت لنصنع اجيالاً فاعلة قادرة على حمل راية التقدم ، فالإنسان المنتج هو الثروة الحقيقية التي لا تنضب ، وهو الامل الذي تبنى عليه حضارات الغد .

 

عمان

في 1/5/2025

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *