معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1853

الاعلام المقاوم في العراق نحو استراتيجية وطنية

حجم الخط

أ. د. محمد طاقة

الإعلام اداة قوية في تشكيل الوعي والتاثير على الرأي العام ، وخاصة في سياق ( النضال السلبي ) ، حيث يستخدم كوسيلة للمقاومة السلمية وكشف الحقائق وتحدي السرديات الرسمية .

الإعلام الرسمي في معظم الدول العربية موجه لخدمة الانظمة الحاكمة ، مما يجعله بعيداً عن تمثيل هموم الشعوب الحقيقية .

اما الإعلام المقاوم ، فهو غالباً محدود الامكانيات ، واجهه تضييقاً شديداً ، سواء من الحكومات او من القوى المسيطرة على الاعلام الرقمي والاعلام عالمياً .

ان الاعلام يمثل الشعب في المجتمعات الديمقراطية ، يلعب الاعلام دور ((السلطة الرابعة)) في الرقابة على السلطات الاخرى ، لكنه في الدول القمعية يتحول إلى اداة لتضليل الجماهير والتلاعب بها .

نعم الاعلام يعتبر السلطة الرابعة لانه قادر على محاسبة الحكومات وكشف الفساد والتلاعب بالحقائق، مما يجعله قوة مؤثرة

قد تتجاوز في بعض الاحيان نفوذ الحكومات نفسها ، لكنه كما ذكرنا ، عندما يكون موجهاً او محصوراً في قبضة السلطة ، يفقد دوره الحقيقي في تثقيف المجتمع وزيادة وعيه ، بل قد يصبح اداة لتضليل الجماهير وتزييف وعيها . فوسائل التواصل الاجتماعي منحت الأفراد والجماعات فرصة لكسر احتكار الاعلام التقليدي ونشر الوعي بشكل مباشر لكن المشكلة تكمن في كيفية توجيه هذا الإعلام البديل ليكون وسيلة لنشر الحقيقة وتعزيز القيم الاخلاقية، بدلاً من ان يصبح ساحة للفوضى والتضليل كما هو الحال مع كثير من المحتوى السطحي والهابط والمبتذل الذي يطغى اليوم .

فغياب المصداقية وسط هيمنة الاعلام التجاري العالمي مثل ( امبراطورية مردوخ) ، يجعل الالتزام

بالمباديء والقيم الاخلاقية هو السبيل الوحيد لكسب ثقة الجماهير ، ولكن المشكلة ان الاعلام المستقل أو المناهض للفساد غالباً يواجه تحديات منها ( التضييق وضعف التمويل المالي والانتشار ) مقارنة بالإعلام المسيطر .

ان الاعلام المقاوم بأمس الحاجة إلى دعم مالي وتنظيمي ليتمكن من الصمود امام هيمنة الاعلام الموجه والممول من القوى المسيطرة عالمياً . لكن إلى جانب التمويل ، هناك حاجة أيضاً إلى التخطيط الاستراتيجي مثل استخدام الاعلام الرقمي بذكاء والعمل على بناء منصات إعلامية إعلامية مستقلة والتأكيد على التدريب والتأهيل وتوفير الكوادر من اجل رفع كفاءة الإعلاميين والصحفيين الوطنيين والعمل على تشكيل شبكات إعلامية موحدة لمواجهة حملات التضليل والتشويه

التي تمارسها الأنظمة . ولكن لا يمكن ان ينجح الإعلام المقاوم دون (( قيادة واعية تدرك دور الإعلام في تعبئة المجتمع وتوجيهه )) .

المشكلة التي نعيشها ان كثيراً من القوى الوطنية والأحزاب الثورية لاتعطي الإعلام الأولوية ، أو تراه مجرد وسيلة ثانوية ، مما يجعلها تفقد التأثير امام الإعلام الموجه والمدعوم مالياً من قوى الهيمنة .

(( فالقيادات الواعية لاتحتاج إلى من يقنعها بأهمية الإعلام ، بل هي التي تبادر إلى دعمه مالياً ومعنوياً وتوظيفه كأداة أساسية في نضالها )) .

اذن المشكلة ليست في الإعلام نفسه بل في نوعية القيادات التي تتصدر المشهد فكثير منها اما غير مدركة لقوة الاعلام ، او تخشى الاعلام الحر لانه قد يكشف ضعفها وفسادها .

المال عنصر مهم وحاسم في بناء إعلام مقاوم قادر على الصمود والتأثير ، خاصة في مواجهة إمبراطوريات إعلامية ضخمة مثل تلك التي يسيطر عليها ( مردوخ) ، والتي تمتلك موارد غير محدودة وتتحكم في السرديات العالمية .

التمويل الذاتي هو الحل الأمثل لتجنب التبعية وضمان استقلالية الاعلام المقاوم ، ولكن هذا يتطلب ابتكار آليات جديدة بعيداً عن الأساليب التقليدية التي تعتمد على التبرعات ، ومن هذه الأفكار (( الاشتراكات المدفوعة ، والتمويل الجماهيري ، الاستثمار في مشاريع تجارية موازية ، الإعلانات من مصادر مستقلة ، الاستفادة من التقنيات الحديثة مثل العملات الرقمية )).

فالتجارب النضالية في الخمسينات والستينات في العراق والدول العربية كانت غنية بالابتكار في مجال الاعلام رغم شحة الموارد والملاحقة الامنية (( الصحف السرية ، المنشورات ، الإذاعات المموهة وحتى الرسائل الشفوية )) كلها كانت ادوات فعالة في مواجهة الاعلام الرسمي المسيطر عليه من الأنظمة . ومن الممكن التفكير في إعلام مقاوم يجمع بين الأساليب التقليدية والتكنولوجيا الحديثة ، وربما من المفيد وضع خطة عملية تشمل إعلام رقمي لامركزي واستخدام الذكاء الاصطناعي لمواجهة التضليل .

ومن اجل تحقيق إعلام وطني عراقي مقاوم وفعال ، العمل على بناء إعلام مستقل وممول ذاتياً وذلك من خلال الاشتراكات والتبرعات المحلية والمشاريع التجارية الداعمة ، وتطوير الكوادر الإعلامية وتعبئة الإعلاميين الوطنيين باتجاه توسيع قاعدة الإعلام المقاوم . والعمل على استخدام التكنولوجيا الحديثة.

كل ذلك ممكن ان يتحقق من خلال توفير الدعم المالي الضروري لتسيير الامور خدمة للعمل المقاوم وضمان استمرار العمل الإعلامي ، وهنا ياتي دور القيادة الواعية لاهمية دعم الاعلام المقاوم .

 

عمان

4/4/2025

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *