معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1853

الأمة العربية بين شجب الحكام ودماء الشعوب ((لمناسبة عقد مؤتمر قمة عربية – إسلامية طارئة في الدوحة )) 

حجم الخط

أ. د. محمد طاقة

ولدتُ عام (1948) ، العام الذي أغتصبت فيه فلسطين ، عام النكبة التي لم تكن مجرد حدث عابر في تاريخ الأمة العربية ، بل جرحاً مفتوحاً ما زال ينزف حتى يومنا هذا . ومنذ طفولتي ، كما كان حال كلّ أبناء العراق ، تربيت على حبِّ فلسطين وعلى التضحية في سبيل تحريرها . كبرنا ونحن نؤمن أنّ فلسطين هي قلب الأمة ، وأنّ الدفاع عنها دفاع عن شرفنا ووجودنا ، ولكن لعقود مرّت ، والحروب توالت ، والإعتداءات الصهيونية لم تتوقف ، ومع كلّ مواجهة كانت الكفة تميل لصالح العدو ، لا لقوة إسرائيل وحدها ، بل لضعف العرب وتفككهم وتواطؤ بعض قادتهم الذين رهنوا إرادتهم لسياسات امريكا وحلفائها .

لقد أنيط بإسرائل دور استراتيجي واضح أنْ تبقى أداة عدوان دائم ، تمنع الأمة العربية من التوحد والتقدم . وتزرع الهزيمة في وجدانها . ومع كلّ إعتداء على قطر عربي ، نسمع النغمة المكرورة ذاتها (( نستنكر ، ونشجب ، وندين ))

كلمات جوفاء لا تردع عدواً ولا تحفظ كرامة .

الأمم المتحدة تشجب ، الجامعة العربية تشجب وتستنكر ، والحكام العرب جميعهم يشجبون .. ثم يلوذون بالصمت . باتت هذه الجملة الممجوجة مرادفاً للعجز والمهانة .

حتى غدت أمتنا بلا وزن ، وبلا إحترام بين الأمم . إنّ ماجرى للعراق عام (2003) كان الحدث المفصلي الأخطر في تاريخنا الحديث

لقد كان العراق البوابة الشرقية ، القوة التي تحمي الأمة ، صمام أمانها ، لكن التآمر الدولي وعلى رأسه أمريكا وبريطانيا ، لم يكن وحده المسؤول ، بل أنّ بعض الحكام العرب أسهموا مباشرةً في تمويل الغزو وتبريره وتمهيد الطريق لإنهاء الحكم الوطني في العراق ، يومها لم يدركوا أنّ سقوط بغداد سيعني سقوط العرب جميعاً .

فتح غزو العراق أبواب جهنم على الأمة العربية

وسمح لقوى الشر كلّها أنْ تنهش جسدها ، من الصهيونية إلى إيران إلى أدوات الاستعمار الجديد . لقد أسهم هؤلاء الحكام في إسقاط السند الحقيقي للأمة ، واليوم يعضون أصابع الندم على فعلتهم ويدفعون الثمن غالياً .

فالكيان الصهيوني وأمريكا لا يعرفان صديقاً ولا حليفاً ، بل يعرفان مصالحهما فقط .

من ظنّ أنّه في مأمن ، سيلقي نصيبه عاجلاً أم آجلاً . البارحة ضُرب العراق وسوريا ولبنان واليمن واليوم تُهدد الدوحة وتُضرب وغداً الإمارات وبعده السعودية .. وهكذا حتى تؤكل الأمة قطعة قطعة ، وقد صدق المثل القائل

(( جنت على نفسها براقش )) .

إنّ التاريخ لن يرحم من تآمروا عل العراق ، ولن يرحم من فرّطوا بفلسطين ، ولن يرحم من باعوا قضايا الأمة في سوق المصالح الضيقة . وما نعيشه اليوم من تشرذم وانهيار

ما هو إلاّ نتيجة مباشرة لتلك السياسات غير المسؤولة والخضوع الأعمى للإملاءات الأمريكية .

أيّها العرب ( شعوباً وحكاماً ) إنّ الدرس واضح لا مكان لكم بين الأمم إنْ لم تعودوا إلى وحدتكم ، لا كرامة لكم إنْ لم تُدركوا أنّ مصيركم واحد ، أنّ ما يصيب أيّ جزء من جسد الأمة يؤلمها كلّها .

وحدها الوحدة العربية ( مشروعاً ومصيراً ) قادرة على أنْ تضعنا في مكانة محترمة بين الأمم ، أمّا التبعية والفرقة ، فليستا سوى طريق إلى مزيد من الذل والانكسار .

عمان

في 13/9/2025

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *