معتمدة في نقابة الصحفيين العراقيين بالرقم 1853

استهداف البنى التحتية للامة العربية (( استراتيجية الإضعاف والسيطرة )) 

حجم الخط

أ. د. محمد طاقة

تسعى القوى الاستعمارية القديمة والجديدة ،

وعلى رأسها الكيان الصهيوني ، إلى ضمان تفوقها الإقليمي عبر اضعاف البيئة المحيطة بها ، لا سيما الدول العربية ، وتعد البنى التحتية ، باشكالها التقنية والاجتماعية – الركيزة الاساسية لاي مشروع تنموي أو تحرري

من هنا تُستهدف هذه البنى بشكل مباشر وممنهج في معظم أقطار الوطن العربي ، إما عبر الحروب أو عبر ادوات داخلية واقليمية مثل المليشيات الطائفية التي تستخدم كذرائع أو ادوات تدميرية .

تنقسم البنى التحتية إلى نوعين أساسيين ، البنى التحتية التقنية وتشمل المنشآت الأساسية مثل الطرق والجسور والمطارات والموانئ وأنابيب نقل النفط والغاز ومحطات الكهرباء والماء والسدود ، وهذه البنى تُعد العمود الفقري لاي اقتصاد منتج وركيزة الامن القومي والربط الداخلي والخارجي .

والبنية التحتية الاجتماعية وتشمل مؤسسات التعليم والصحة ، والخدمات العامة ، وهي تضمن صحة الانسان ورفع وعيه ، ومشاركته في عملية التنمية والقرار السياسي .

استهداف هذه البنى يخلق دولاً منهارة عاجزة عن النهوض الذاتي ، ويدخل شعوبها في دوامة الفقر ، والأمية ، والبطالة ، والأمراض ، وهو ما يؤدي حتماً إلى شلل أي قدرة على المواجهة أو الاستقلال .

ان الاستراتيجية الامنية الاسرائيلية لا تقوم فقط على التفوق العسكري ، بل على منع تشكل أي قوة عربية قادرة على المواجهة ، ولذلك ، تتبنى إسرائيل سياسة التدمير الوقائي للبنى التحتية في محيطها العربي .

فمنذ نشأتها عام (1948) ، خاضت إسرائيل حروباً متكررة مع الدول العربية ، غير ان التحول الأخطر جاء بعد عام (2000)، اذ بدأت الحروب تأخذ طابعاً تدميرياً طويل الأمد

يستهدف البنى الحيوية اكثر من استهداف الجيوش .

في لبنان خلال حرب (2006)، دمرت إسرائيل اكثر من (700)كم من الطرق واكثر من (150)جسراً وتم استهداف مطار بيروت ومحطات توليد الكهرباء ، مما كبد لبنان خسائر تفوق (3،5) مليار دولار .

في غزة وخلال العدوان الاسرائيلي المستمر ، تم تدمير آلاف المنازل والمدارس والمستشفيات ، والعدوان عام (2023)وحده اسفر عن تدمير اكثر من (400) مدرسة ومئة منشأة صحية ، وفق تقرير الامم المتحدة الصادر في ديسمبر (2023).

استغلت إسرائيل الأذرع الإيرانية لضرب البنى التحتية العربية ، في الوقت الذي ترفع فيه شعارات (( المقاومة )) تقوم بعض المليشيات المرتبطة بايران بدور تخريبي غير مباشر يخدم أهداف إسرائيل والغرب .

في اليمن لم يتم إنهاء ذراع ايران المتمثل في الحوثيين رغم سيطرتهم على العاصمة صنعاء منذ عام (2014) ،بينما تدمر البنى التحتية لليمن ، تم استهداف ميناء الحديدة، مطار صنعاء ، المستشفيات ، المدارس ، قدرت الامم المتحدة ان اكثر من (20 ) مليون يمني يحتاجون للمساعدة الانسانية نتيجة هذا الانهيار .

في العراق منذ الغزو الأمريكي البريطاني عام (2003)، تم تدمير اكثر من (85‎%‎) من البنى التحتية التقنية والاجتماعية بما في ذلك شبكات الكهرباء والماء والمستشفيات والمدارس والكليات والجامعات وغيرها ، وتشير تقارير البنك الدولي إلى ان كلفة اعادة الإعمار في العراق بعد (2003)تفوق (800) مليار دولار .

في سوريا أدى الصراع الممتد منذ عام (2011) إلى تدمير اكثر من (60‎%‎) من المنشآت الحيوية وشمل ذلك اكثر من (4000) مدرسة و(60‎%‎) من المستشفيات العامة بحسب تقرير صادر عن منظمةُالصحة العالمية لعام (2022) .

في ليبيا لم يكن الهدف إنهاء الجماعات المسلحة ، بل اطالة امد الفوضى لتفكيك الدولة ومؤسساتها ، مما أدى إلى شبه انهيار للبنى التعليمية والصحية وخسائر في البنى التقنية .

رغم الادعاء لمحاربة ((محور المقاومة )) إلا ان القوى الدولية تغض الطرف عن هذه الأذرع ، وتركز ضرباتها على البنى التحتية ، مما يشير إلى هدف استراتيجي اكبر ، هو تدمير مقدرات الامة العربية دون القضاء الفعلي على ادوات التدمير .

ورغم توقيع اتفاقيات سلام بين إسرائيل وكل من مصر عام (1979) والأردن عام (1994)، إلا ان مصر تحديداً تمثل ثقلاً عربياً كبيراً بجيشها القوي وبتماسكها الاجتماعي ، ولهذا تبقى تحت المجهر الاسرائيلي والغربي ، كما ان الأردن رغم استقراره النسبي يعيش ضغوطاً اقتصادية وسياسية متزايدة وقد تستخدم ادوات اقتصادية وأمنية لزعزعة استقراره ، لذا فإن الحذر من (( الاعيب الشيطان )) واجب خاصة ان سيناريو استنزاف البنى العربية اثبت نجاحه من أفغانستان إلى العراق ومن اليمن إلى ليبيا .

المنطقة العربية ليست فقط مركزاً للصراع العربي الصهيوني أو ساحة لتصفية الحسابات بين ايران والعرب ، بل هي ساحة للصراع العالمي بين أمريكا وحلفائها من جهة والصين ومحورها من جهة اخرى .

ان المنطقة العربية تتمتع بموقع جيو سياسي فريد ، حيث تمر عبرها اهم الممرات المائية العالمية ، قناة السويس ، مضيق هرمز ، مضيق باب المندب ، والبحر الأحمر ، كما انها تملك حوالي (72‎%‎) من مساحة الشرق الأوسط و (65‎%‎) من عدد سكان الشرق الأوسط وأكثر من (800)مليار برميل من الاحتياطي النفطي المؤكد تشكل الدول العربية منها (85‎%‎) ، ومخزون هائل من الغاز والطاقة المتجددة والموارد المعدنية ، كل هذه الاسباب تجعل تفكيك الدول العربية وتدمير بناها هدفاً رئيسياً لاسرائيل والقوى الكبرى المتحالفة معها .

ان ما يجري اليوم من تدمير ممنهج للبنى التحتية في العراق وسوريا واليمن ولبنان وفلسطين وليبيا ، ليس صدفة ولا نتيجة حروب اهلية فقط ، بل جزء من مشروع اكبر يهدف إلى إبقاء الامة متخلفة ، ضعيفة ، منهكة ، لا تملك مقومات السيادة ولا التنمية ، بعيدة عن اي مشروع وحدوي قد يهدد(( أمن إسرائيل)) . المعركة اليوم هي على البنى التحتية ، على العقل العربي وعلى قدرته على الاستنهاض ، فالأمة التي تفقد مدارسها ومستشفياتها ،ومرافئها، لا يمكنها ان تبني مستقبلا ً ولا ان تدافع عن كرامتها .

 

عمان

في 30/7/2025

تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *